عن وكالة رويترز للأنياء:
أدى
ما يبدو انه أسوأ جفاف تشهده الولايات المتحدة في ربع قرن لموجة صعود في أسعار السلع
الأولية بالأسواق العالمية وسجلت أسعار الحبوب الأساسية مستويات مرتفعة كانت قد أدت
في آخر مرة شهدتها الأسواق لأزمات غذاء في بعض المناطق.
وتقوم
دول كثيرة تعتمد بشدة على الاستيراد بتقليص وارداتها في الوقت الحالي والاعتماد على
مستوى جيد لديها من المخزونات على أمل أن تدخل حبوب من مصادر أخرى السوق وتدفع الأسعار
للانخفاض.
لكن
هذه الآمال قد تتبدد لو عادوا جميعا للجوء إلى السوق في نفس الوقت.
وليس
من الغريب أن ترتفع الأسعار نحو 40 بالمئة في الأسابيع الثلاثة الماضية مع تضاؤل التوقعات
لانتاجية محاصيل الحبوب بسبب الجفاف الشديد. وسجل سعر فول الصويا مستوى قياسيا يلاحقه
القمح.
وقال
شون ماكمبرديج المحلل لدى يجفريز باتشي "فرص الانتاج بدت رائعة وربما ولدت احساسا
زائفا بالأمن لدى هؤلاء المستخدمين النهائيين. في تلك المرحلة كنا نتوقع أسعارا (للذرة)
دون خمسة دولارات لو ظل الطقس مناسبا لكننا الان ارتفعنا بشدة."
ويبلغ
سعر الذرة في العقود الاجلة المضمونة بمحصول 2012 أكثر من سبعة دولارات للبوشل ويرتفع
السعر سريعا.
وقال
تجار إن المستهلكين في أوروبا وشمال افريقيا والشرق الأوسط قلصوا مشترياتهم المعتادة
متوقعين أن تتراجع الأسعار.
وقال
تاجر "هذه بالنسبة لي قنبلة موقوتة. انا عادة واحد من الذين يتوقعون هبوط الأسعار
لكنني لن اندهش لو بلغ سعر الذرة عشرة دولارات."
وهناك
أوجه شبه كبيرة بين الوضع الحالي وأزمات الغذاء التي شهدتها الأعوام القليلة الماضية
بما في ذلك طقس قائظ ومحاصيل متضائلة وأسعار فلكية. ما علينا فقط سوى أن نضع موجة الجفاف
ومحصول الذرة الأمريكي في 2012 مكان انهيار المحصول الروسي في 2010.
وتمتد
أوجه الشبه أيضا إلى وضع الاقتصاد الكلي فقد شهد عام 2008 - وهي آخر مرة بلغت فيها
الأسعار هذه المستويات الحالية - تفجر أزمة مالية متفاقمة بانهيار بنك ليمان براذرز.
والان زعزعت أزمة الديون الاوروبية استقرار منطقة اليورو وهناك مناطق أخرى على حافة
الهاوية.
أدى
عدم اليقين لتقلبات في جميع الأسواق هذه المرة كما حدث في المرة الماضية لكن القاسم
المشترك المتمثل في العرض والطلب كان هو القوة الدافعة في أحدث صعود لأسعار الحبوب
وكانت الأحوال الجوية العامل الأساسي الوحيد ذي الحيثية.
هذا
الشراء المحموم يؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من تضخم أسعار الغذاء وقد يكون ارتفاع
الاسعار المحلية نقطة اللاعودة في دول يعاني سكانها بالفعل.
وتبدي
هيئات شراء الحبوب الرسمية في أكبر الدول المستوردة مثل مصر وإيران والصين والهند تفاؤلا
حتى الآن وهم متحدون في ايصال رسالة الثقة في مستويات المخزونات المحلية وقدرتهم على
تفادي صعود الأسعار الحالي.
وقالت
مصر أكبر مستورد للقمح في العالم والتي تستورد أكثر من عشرة ملايين طن سنويا إن لديها
مخزون استراتيجي يكفي تقريبا لأكثر من ستة أشهر حتى يناير كانون الثاني.
وقال
نعماني نعماني نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية المصرية الأسبوع الماضي
"بالطبع من غير المرجح أن ندخل الأسواق الان لشراء قمح للشحن في اغسطس لأن مشترياتنا
من القمح المحلي تجعلنا في وضع مريح للغاية."
وفي
آسيا تكون لدى الصين والهند مخزونات وفيرة من القمح والارد بفضل حصاد شبه قياسي في
السنوات القليلة الماضية. وقالت مصادر في قطاع تصدير الذرة الأمريكي إن الصين وكوريا
الجنوبية حجزتا شحنات اضافية تحسبا لمشاكل في المعروض وارتفاع الأسعار.
وأعاد
صعود الأسعار للأذهان ذكريات أزمة الغذاء في 2007 و2008 حينما أضافت منظمة الأمم المتحدة
للاغذية والزراعة (الفاو) 75 مليونا لتقديرها لمن يعانون جوعا مزمنا في العالم. وحددت
تقديرات أخرى الزيادة بما يصل إلى 160 مليونا.
وارتفع
مؤشر مجلس الحبوب العالمي لأسعار الحبوب والبذور الزيتية الأسبوع الماضي لأعلى مستوياته
منذ يوليو تموز 2008. والمؤشر متوسط مرجح لأسعار القمح والذرة وفول الصويا وعلف الصويا
والارز والشعير والسرغوم وبذور اللفت.
وبالرغم
من ان مخزونات الحبوب حاليا أعلى منها في 2008 بنسبة 25 بالمئة وفقا لبيانات المجلس
فإن الشيطان يكمن في التفاصيل إذ تمتلك الصين مخزونا كبيرا من القمح والذرة ومن المستبعد
أن تضخه في الأسواق العالمية.
وارتفع
استهلاك الحبوب بشكل مطرد في السنوات القليلة الماضية. وتوقع مجلس الحبوب في وقت سابق
هذا الشهر نمو الاستهلاك 1.8 بالمئة في 2012-2013 مدعوما بارتفاع استهلاك اللحوم خاصة
في الدول النامية.
وتقول
مصادر تجارية إن إيران في الوقت الذي تلتقط فيه أنفاسها من نوبة شراء مكثف في وقت سابق
من العام الحالي خوفا من العقوبات وتحصي محصولها المحلي فهي تراجع الأسعار يوميا وعينها
على مشتريات أكبر من القمح.
ودخلت
مفاوضات حول صفقات قمح بملايين الاطنان بين ايران وباكستان طريقا مسدودا ومن شأن انهيارها
أن يزيد حدة احتياج طهران لشراء القمح.
وتعاني
سوريا من مشكلة مزمنة إذ أن الأثر غير المقصود من العقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد
جعل الدولة التي مزقتها الازمة غير قادرة على شراء كميات كبيرة بما يكفي لتلبية احتياجاتها
من واردات الحبوب التي تبلغ نحو ثلاثة ملايين طن.
وفشلت
مرارا محاولات سوريا لتنفيذ صفقات مع ارتفاع الأسعار بشكل متزايد.
وقال
الان فريزر محلل شؤون الشرق الاوسط في ايه.كيه.إي "في ضوء أن الاقتصاد مبعث قلق
بالفعل سيؤدي ارتفاع أسعار الحبوب لضغط متزايد على الحكومة السورية. احتياطي النقد
الأجنبي هبط لمستوى قياسي جديد ويتراجع بمعدل سريع مع تراجع التجارة وقدرة البلاد على
جمع الضرائب."
وتتوقع
تايلاند أكبر بلد مصدر للدجاج المجمد في اسيا أن يغذي ارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا
تضخم اسعار المواد الغذائية مع ارتفاع تكلفة العلف الحيواني.
والعزوف
عن الاستيراد لتجنب أثر ارتفاع الأسعار يبدو امرا معقولا.
ويحجم
المغرب حاليا عن الشراء لكنه يحتاج لاستيراد أعلى كمية من الحبوب في ثلاثة عقود نتيجة
ضعف المحصول المحلي. وهبط محصول الحبوب في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا من 8.4 مليون
طن في 2011 إلى 5.1 مليون طن هذا العام.
وقال
تاجر حبوب في سنغافورة "رفض المشترون العروض في الأسبوعين الماضيين متوقعين انخفاض
الأسعار.
"رأينا ذلك في كوريا
الجنوبية والفلبين وفيتنام ولكن إلى متى يمكنهم الانتظار؟"
وسيبذل
المستوردون قصارى جهدهم للصمود انتظارا لمحصول الحبوب الجديد في سبتمبر ايلول وأكتوبر
تشرين الأول من عدة مصادر منها شرق أوروبا حيث أصبحت دول البحر الأسود موردا رئيسيا
للحبوب في الأسواق العالمية بأسعار رخيصة.
إلا
أن هذه المناشئ تتعرض لضغوط هي الأخرى.
فقد
أجبر الطقس الحار والجاف روسيا وأوكرانيا وقازاخستان على تقليص توقعاتها للمحصول وقد
ينخفض المحصول الاجمالي للمنطقة بمقدار 35 مليون طن على الأقل مقارنة مع 2011.