المحتوى
نهدف من خلال
دراستنا للمقياس اقتصاد التنمية تعريف الطالب ببعض الأمور الاقتصادية الأساسية، من
مؤشرات اقتصادية و اجتماعية تسمح قياس و تقييم عملية التنمية و من عوامل مؤثرة و
فاعلة في إحداث التنمية الاقتصادية حسب النظريات و السياسات الاقتصادية. في هذا الإطار
تحتوي دراستنا على الفصول التالية :
مقدمة : وجود
علم اقتصاد التنمية كفرع خاص لعلم الاقتصاد
الفصل الأول : مفهوم التنمية و مؤشراتها
الفصل الثاني: نظريات التنمية الاقتصادية
مقدمة
اختلاف
فكرة التنمية عن فكرة النمو
يقول الأستاذ Ph. Hugon في كتابه "اقتصاد التنمية"
(1999) أن "اقتصاد التنمية تكوّن
على أساس موضوع معيّن و بالنسبة لمجال معيّن، فاهتمّ ب "عمليات التحويل في الأجل الطويل في العالم الثالث أو البلدان
النامية". أما الأستاذة Elsa Assidon في كتابها "النظريات
الاقتصادية للتنمية" (2002) بتعبير آخر تقول أن " نظريات التنمية كوّنت
فرعا متميزا لعلم الاقتصاد عندما تبنّت مبدأ وجود خصائص تميّز مجموعة من
البلدان تجعلها تسير سيرًا خاص بها و
اعتمدت في نفس الوقت فكرة اختلاف التنمية عن النمو".
تاريخ
فكرة التنمية
التنمية
تتبع النمو مع الثورة الصناعية
التنمية فكرة قديمة برزت مع الاقتصاديين التقليديين. تتمثل في تطور الحياة
المادية، أو بمصطلحات أخرى، نمو الثروة المادية. يرى آدم سميث أن الثروة تتمثل في الإنتاج
السلعي و العمل الإنتاجي و يرى Malthus أن الإنتاج السلعي هو المؤشر الوحيد الممكن لهذه الثروة. بسبب قابليته
للقياس و قدرته لتمثيل أصبح بعد ذلك نموُ الناتج مؤشرًا للثروة و التنمية.
بالفعل ستنقل الثورة الصناعية المجتمع إلى مجتمع يصبح للإنتاج المادي فيه دورًا
جديدًا لم يُعرف من قبل. سيتمشى فيه نمو الناتج باستمرار مع تطور الرفاهية الاجتماعية. من ثم سيركز علم
الاقتصاد على شرح و فهم أسباب نمو الناتج أو عرقلته ، و سينجز لذلك نظرياته للنمو.
يمكن القول أن حينئذ قضية التنمية إنما هو موضوع الاقتصاد الكلي الحركي و نظرياته
المسماة بنظريات النمو.
المفهوم
الحديث للتنمية: نمو بدون تنمية ...
... في جزء من العالم ...
أصبح هكذا موضوع النمو يغطّي موضوع التنمية كلية و يختفي موضوع التنمية
وراءه حتى يظهر من جديد في فترة مستقبلية. ما سيحدث بعد الحرب العلمية الثانية و
العقود التالية مع استقلال المجتمعات التي كانت تحت سيطرة المجتمعات المركزية
المصنعة. عند تلك المجتمعات سيعني نمو الناتج السلعي قاعدة ضيقة من الحياة المادية
و لا يغير كثيرًا في رفاهية تلك المجتمعات و من ثم ستبرز حاجة تلك المجتمعات إلى
مفهوم تنمية أشمل من قضية نمو الناتج السلعي فقط. هنا سينفصل موضوع التنمية من النمو
الذي لم يبقى له إمكانية تمثيل نمو الحياة المادية و تطور الرفاهية الاجتماعية. و
هذا هو الأصل الحديث لموضوع اقتصاد التنمية : كل المجتمعات لا يتبع فيها النمو نفس
السير: في بعضها يأتي بالتنمية و في الأخرى بتنمية التخلف كما يقول André Gunder Frank
(19..). سيبرز اقتصاد التنمية كفرع
جديد للاقتصاد (مجال خاص بموضوع خاص) أو كامتداد لعلم الاقتصاد بفروعه التقليدية،
كتعميق الاقتصاد الجزئي و نظريات النمو (تكيُّف المفاهيم بالنسبة لمجال معين).
... و في العالم كله : المفهوم المتطور و العام للتنمية
البشرية المستدامة
و لكن انفصال موضوع التنمية من موضوع النمو الناتج السلعي و المادي ستتسع
رقعته في مرحلة ثالثة عندما سيتقلص دور الإنتاج
الصناعي المادي في بنية الاقتصاد لصالح قطاع الخدمات و العمل "الغير المادي".
تعرف البلدان المصنعة قديمًا نموا للناتج طفيفًا في
هذه المرحلة لا يتماشى مع تطور الرفاهية الاجتماعية بل العكس[1].
كأنّ نمو الناتج دخل في مرحلة يكون تأثيره على الرفاهية متناقص، و لا تؤدي زيادته
إلى زيادتها بل إلى انخفاضها.
و أيضًا في ما يخص البلدان المصنعة حديثًا،
سيترك النمو موضوع التنمية مطروح، فإنه من المنتظر أن يؤدي النمو القوي للحياة
المادية في الصين إلى أزمات في عدد كبير من قطاعات الحياة الاجتماعية و من ثم
إعادة هيكلتها. و لا يمكن الآن معرفة مَن مِن الآثار السلبية أو الإيجابية على
الرفاهية الاجتماعية ستتغلب في المستقبل. أما في الهند نلاحظ من الآن أن للنمو
صعوبة كبيرة للتغلب على الفقر.
خلاصة القول، في
الاقتصاد المعاصر، قليلا ما يتماشى نمو الناتج بتنمية شاملة، بشرية تُطوِّر من
قدرات الأفراد و الجماعات، تزيد من رفاهيتهم، و مستدامة تحافظ على مصادر
الثروة بالنسبة للأجيال القادمة.
علم
و تجربة : المقاربتين
يهيمن على دراسة التنمية نوعان من المقاربات: مقاربة شاملة و تحليل جزئي
باعتبار أن المقاربة الأخيرة تأخذ بتقسيم العمل العلمي الموجود و تطويره بدون نقاش
فرضياته، فإنها تدخل مباشرة في معالجة الحالة الخاصة بالمفاهيم العامّة المكيّفة. تعتبر أن الفرق بين السياقات تتلخص في فروق بين
استعمالات النقود في المجتمع، درجة تنافسية الأسواق و في درجة العقلانية للعاملين
من سياق إلى آخر.
أما المقاربة الشاملة، فإنها تعتبر أن الموضوع الجديد يعبِّر عن محدودية
المقاربة الثانية. حسب الأستاذ Ph. Hugon الذي يتبنّى المنهج الأول " بما أن اقتصاد التنمية يُكوِّن في
نفس الوقت موضوع دراسة و ممارسة (يفرِّق
الاقتصاديين في حركتين، ما بين أداء و معرفة تجربة خاصة و دراسة مقارنة لتجارب
عديدة) ، ستختلف اهتمامات الاقتصاديين حسب مجال
التحليل (نظري، ميداني أو فعلي) و ستستلزم تارة " مقاربة تبيّن خصوصية و
دراجة تعقيد الحالات العينية" فيما يخص عمليات التنمية و ستستلزم تارة أخرى
" التناسق، التنظير و النقاش في إطار تحليلي متماسك يسمح إجراء
اختبارات".
يظهر حسب المقاربة الشاملة أن التنمية الاقتصادية موضوع
مركّب يتّصف بتفاعلات بين متغيرات عديدة.
يفترض قراءتها و فهم معناها ككل، الخروج من إطار
الاقتصاد. عكس ذلك، يفترض التحليل الجزئي الذي ينتهج تقسيم المواضيع المركّبة
إلى عناصر بسيطة (عملية التفكيك و التركيب) و إمكانية تفنيد البرهان، منهجيةً
دقيقة تحدد مجال الصحّة عبر تقسيم الوقع إلى نماذج و قطاعات.
لنعرض بعض القضايا التي سيأخذها بعين الاعتبار المنهج الشامل.
القضية الأولى هي قضية العلم بصفته نابع من تجربة محدودة يرغب إلى العمومية.
لا بدّ عليه أن يتكوّن على أساس تجربة معينّة يأتي بفرضياتها و نتائجها، و يثبتها كتجربة
عملية و علمية حقيقية بالنسبة لتجارب مثيلة عالمية. المشكل المطروح هنا يتمثل في قضية مركزية العلم،
و مركزيته الغربية خاصة : هل سيكون موضوع التجربة جزءا من التجربة و بالتالي معرفة
للمجرَّب على نفسه أم تجربة على غيره ؟ بكلمات أخرى، علمٌ اقتصادي يخضع لتثبيت
مستمر في العالم، هل يمكن أن يكون صالحا لمجتمع لا يكون طرفًا واعيًا، شاركًا
علميًا في تجربته للتنمية ؟ و كيف يأخذ مكانه هذا العلم في وسط العلوم الموجودة إذ
لم يوجد هذا العلم من عدم، بل في وسط تقسيم علمي مهيمن على العالم ؟
بالنسبة للمقاربة الجزئية التي تأخذ التقسيم العلمي كما هو، الجواب للسؤال
الأول واضح تماما: لا يؤخذ بعين الاعتبار.
أمّا فيما يخصّ المقاربة الشاملة، لا بدّا من أخذ الأمور من بدايتها. في
سبيل المثال، لتحديد موضوع اقتصاد التنمية لابد من التمييز
بين نظريات التنمية و النظرية الاقتصادية
(لو لا ذلك ما وُجد اقتصاد التنمية)، أي بين
المعالجة الاقتصادية للموضوع و المعالجات الأخرى (الاجتماعية، السياسية، الثقافية ...
ألم تكن مثلا قضية تنمية مجتمع قضية السيطرة على نفسه قبل أن تكون تطور نشاطه
الاقتصادي؟ و كيف يمكن أن يسيطر على نشاطه الاقتصادي إذ لم يستطيع السيطرة على
نفسه؟). كيف يبني المجتمع تجربته (من أي منطلقات و إلى أي غايات) و كيف سيتقاسم
العلم معالجة تلك التجربة (تقييم الوسائل و النتائج) أي موضوع التنمية بين تخصصاته
المختلفة (خاصة و أن الاقتصاد لم يحصل على استقلاليته كمجال اجتماعي في البلدان
النامية) ؟ و كيف سيؤخذ بعين الاعتبار التخصص العالمي الموجود، كوسائل و نتائج
لتجارب خاصة لمجتمعات أخرى ؟ و كيف سيؤثر إدماجه على التقسيم الموجود ؟ هل سيؤدي إلى
تقسيم جديد يغيّر من موقع علم الاقتصاد (كما يريده البعض أمثال S. Latouche) ؟ هل سيأخذ الاقتصاد في البلدان النامية المكان الذي اتخذه في
البلدان الغربية ؟ كيف ستتعامل المجتمعات النامية بالتقسيم العلمي الموجود باعتباره نظرة للبلدان المتطورة
و نتيجة لتجربتها ؟ هل ستصل المجتمعات "البارزة" (صين، هند، برازيل،
ماليزيا وآخرون) إلى السيطرة على تجاربها و صنع علم يقود و يشرح بروزها الاقتصادي
و الاجتماعي ؟ كيف ستتمكن هذه المجتمعات من استعمال العلم السائد لصالح تجربتها ؟
تتعلق القضية الثانية بالظرف التاريخي
الذي شهد بروز مفهوم التنمية. يتميز هذا الظرف الذي جاء بعد الحرب العالمية
الثانية، بانهيار الإمبراطوريات الفرنسية و البريطانية و استقلال البلدان
المستعمرة من طرفها وبحرب باردة بين المعسكرين الرأسمالي و الاشتراكي. نشأت في تلك
الفترة مؤسسات دولية تبنّت مشروع التنمية في اتجاه البلدان المتخلفة باعتبار أنه
من الممكن التقليص من الفرق الموجود بين مستويات المعيشة للبلدان المتطورة و
المتخلفة إذ احتُرمت بعض الشروط و القواعد.
و هنا تندرج قضية العلم و علاقاته بالإيديولوجية : بأي قدر اقتصاد التنمية
علم أو إيديولوجية ؟ هل يعبر حقيقة على إجماع علماء الاقتصاد و ما يكون هذا
الإجماع ؟ أم يعبر عن تصور و رغبة القوات الاقتصادية الفاعلة ؟
الفصل الأول: الموضوع العيني أو التجريبي البحت
للتخلف و التنمية مفاهيم لها معاني كثيرة (القسم1)؛ تتمّثل
الطريقة المباشرة في تلك التي تقيس فروق التنمية الاقتصادية و تأخّراتها (القسم 2).
القسم 1: التنمية و التخلف
1. التنمية اسم على مسمى متعدد
1.1 التنمية
كنمو:
حركية التوازن تفترض استقرار البنيان
الاقتصادي. يُعتبر هنا التمييز بين التغيّر في الأجل القصير و الطويل أمرا سهلا.
يتمثل مؤشر التنمية في معدل نمو الإنتاج الإجمالي الصافي (المقدر على أساس أسعار
ثابتة).
أ) الثروة،
الناتج القومي و البنيات الاقتصادية و الاجتماعية : مفهوم الثروة و الاقتصاد
السياسي
يُعتقد في الفكر القديم أن الثروة ما هي إلاّ وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان و
رفاهيته. و لكن مع الثورة الصناعية، يظهر أن هناك ثروة سيزيد نموها و سيصبح
لمُنتجيها مكانا متفوّقا، يحسم علاقات القوة بين الأمم.
في الفصل الأول من كتابه ، "Principes
d'économie politique" يضع Malthus (1820) صاحب الكتاب المشهور "Essay on the
Principle of Population." تعريفا للثروة المادية تتمثل في الإنتاج المادي،
ناتج "العمل الإنتاجي". لا شكّ
هنا، مع الثورة الصناعية، أن الرفاهية مرتبطة و بقوة بتطور العمل الإنتاجي. يسود
التمثيل البورجوازي للثروة و قابليته للقياس تجعل الناتج المادي بدون منازع في
قضية تمثيل ثروة الأمم. الثروة هي الصناعة و ناتجها، و في سياق ذلك إنتاج كل السلع
أي كل ما يُباع و يُشترى، و يُوَسِّع من استعمال النقود في المجتمع و تطور
العلاقات التجارية. لأنه لا يمكن فصل إنتاج السلع عامة من الإنتاج الصناعي خاصة
عند قياسه. إنما الثورة الصناعية ثورة بورجوازية في نفس الوقت: تتطور سلطة المال
مع نمو الحياة المادية و تأخذ العلاقات التجارية مكان العلاقات الشخصية (الأبوية،
الإقطاعية) كلما كان ذلك ممكنا.
يمكن حينئذ بروز المحاسبة الوطنية الحديثة، التي تجعل من قياس الناتج
القومي الأداة الأساسية لقياس ثروة المجتمع و الدولة. تتحرّر الدولة من الطبقة
الإقطاعية، و المجتمع من العلاقات الشخصية، و تزداد ثروتها و وسائل تدخّلها. هكذا يؤدي تطور الأسواق، توسيع استعمال النقود
و تداول السلع، إلى توسيع مجال نفوذ الدولة و المجتمع. بفضل تبنيّ البورجوازية
الثروة الصناعية، ستتحرر العلاقات الاجتماعية من العلاقات الشخصية، و يصبح نمو
الناتج يتماشى و تغيير العلاقات، و البنيات الاجتماعية.
ما يعبّر عن تلك الثورة الشاملة يتمثل في القيمة الجديدة التي سيأخذها العمل
الإنتاجي كممثل العمل بصفة عامة. ستنفصل صورة العمل من عمل خادم السيّد، من صورة
العمل كوسيلة السيّد إلى وسيلة تحرير الإنسان من "عبودية"، سيطرة
الطبيعة. سيتحوّل من نصيب العبيد في المجتمعات القديمة إلى ممثّل إنسانية الإنسان
في المجتمع البورجوازي. الذي ينتج الثروة الجديدة، هو سيّد الطبيعة كلّها، هو
العمل الإنساني، الصناعي المادي أساسًا.
العمل الإنتاجي القابل للتقسيم المناهض لعمل خادم الإقطاعية، القابل
التحويل إلى عمل آلي، سيُسيطر على كل العمل و سيسمح انتشار العلاقات التجارية
(النقدية و المالية) إلى نطاق غير مسبوق. سيسمح انتشارُ هذه العلاقات و تنظيمها،
حسب المصالح الاجتماعية المختلفة، بناءَ السوق القومي من جهة و إنشاءَ دولة الأمّة
من أجل حماية السوق القومي ومنافسة دول الأمم على سيطرة الأسواق العالمية من جهة
أخرى.
ب) الثروة،
الناتج القومي و البنيات الاقتصادية و الاجتماعية: حركة الناتج، توزيع الدخل و
نظرية النمو
في الاقتصاد السياسي نمو الإنتاج مرتبط بتوزيع الدخل. إنه مرتبط أولا
بزيادة دخل الطبقة البورجوازية خادمة المال التي تقدّم رأس المال، تدخّر و تستثمر؛
ثانيا باستقرار أجور العمال الذين يستهلكون و لا يدخّرون و الذين ينمو عددهم عندما
يزيد دخلهم؛ و ثالثا مع انخفاض دخل ملاّك الأراضي أو الإقطاعيين الذين يتقاسمون فائض الإنتاج مع البورجوازية،
الدخل الذي يُنقِص من أرباح البورجوازية و يُستعمل في استهلاك غير منتج. كلما زاد
الربح بمعدل يفوق المعدل الضروري لتجديد رأس المال و تحقيق استثمار جديد، زاد
تراكم رأس المال و زاد الناتج. يعرِّف الاقتصاد السياسي الأجر، كأجر الكفاف
يُقدَّم كرأسمال، أما الربح و الريع
فيُعتبران كجزئيين لفائض الإنتاج الذي يتبقّى بعد عملية الإنتاج و تقديم رأس المال.
لكي يتطور العمل الصناعي، يتعمّق تقسيم العمل، يتراكم رأس المال و ينمو الناتج،
لابدّ أن يبقى الأجر في مستوى الكفاف ويكون مكان الريع محدود و نمو الربح متزايدا.
عند Adam Smith (1776) في كتابه
"An Inquiry into Nature and Causes of the Wealth of Nations" يمكن تمثيل النمو على أساس دالة الإنتاج التالية:
Y
= f(L, K, T), gY = f(gf,
gK, gL, gT)
الإنتاج (Y ) دالة للعمل (L)، لرأس
المال (K) و الأرض (T).
لا تؤثر”عناصر الإنتاج“بنفس الطريقة على الإنتاج: زيادة الأجور، تزيد من
نمو عدد السكان ما يخفض من فائض الإنتاج و بالتالي المداخل الأخرى؛ بما أن الأراضي
الخصبة مساحتها محدودة، سيمنع الغزوُ و استيرادُ الحبوب بأقل تكلفة، ملاّكَ الأراضي
من الاستيلاء على الجزء الأكبر من فائض الإنتاج (David Ricardo)؛ بعد ذلك سيزيد توسيع دائرة العمل الإنتاجي و دائرة تسويق ناتجها
من فائض الإنتاج و الأرباح.
يعود نموُ الناتج إلى زيادة الادخار، بعد زيادة فائض الإنتاج الذي حصل من
جرّاء تعميق تقسيم العمل و توسيع السوق، بتراكم رأس المال.
محدودية النمو: انخفاض الربح و
المنافسة. و لكن لا يعتبر الاقتصاد السياسي أن الدخل سيتزايد باستمرار. سينخفض
معدل الربح حسب آدم سميث بسبب تزايد المنافسة. ستؤدي زيادة رأس المال إلى تضخّم
المنافسة إلى أن يستقرّ معدل الربح في مستوى يتعادل فيه الاستثمار و الاهتلاك. أما
Ricardo فيرى أن الدخل سيستقر في مستوى معين بسبب تناقص الغلال التي
سيتوقف عندها تطور حجم فائض الإنتاج و ستغير من توزيع الدخل لصالح أصحاب الريوع
ملاّك عناصر الإنتاج النادرة.
استمرارية نمو الناتج و دوامة البنيات. أمّا Karl Marx يذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى أنه يجب تغير البنيات الاجتماعية و
الاقتصادية لكي يمكن أن ينمو الناتج من جديد و يعرف المجتمع رفاهية متزايدة.
عالمية النموذج الصناعي (أنظر التعريف الرابع للتنمية). بدأ يظهر للعالم أن
نموذج الصناعي لا يمكن تعميمه للعالم، أي أنه لا يمكن أن يصل مستوى الاستهلاك
العالمي مستوى المجتمعات الصناعية بسبب ما يتطلبه ذلك من استهلاك عناصر الإنتاج
النادرة، الطاقوية منها خاصة. عملية حسابية بسيطة تبيّن أنه لا إمكانية لوجود
استهلاك عالمي للطاقة على أساس نموذج الاستهلاك الغربي. ما يدلّ على أن المنافسة
العالمية لا يمكن أن تأتي بخير إن بقيت تجري في إطار هذا النموذج. لابد من تغيير
نموذج استهلاك الطاقة ما سبقت إليه المجتمعات الغربية نفسها.
ج) محدودية مفهوم ثروة في الاقتصاد السياسي
زوال التأثير الإيجابي البديهي للثروة على الرفاهية. بدأت تظهر حركة
التباعد بين الرفاهية و الإنتاج . كأن زيادة
الثروة المادية لم تتبعها الآن إلاّ زيادة متناقصة للرفاهية، إن لم يكن انخفاض
مطلق. لم يعد نتيجة ذلك للثروة المادية أن تستفيد بعلاقة طردية موجبة مع الرفاهية.
كل إنتاج ليس إنتاج للثروة (إشكالية العمل المجاني). في نفس السياق ظهرت فجوة أخرى بين أنواع من الأعمال
التي تتخذها المحاسبة الوطنية في الحسبان. مثل ذلك إعادة بناء الذي يأتي بعد
زلزال، و الذي يُحسب كزيادة في الناتج القومي لا يمكن أن يُعتبر زيادة في الثروة.
أو تكاليف الصحة التي تتبع حوادث المرور، أو..، أو.. أو العمل المجاني الذي لا
يحتسب كثروة في المحاسبة الوطنية مثل تربية الأولاد من طرف الوالدين، أو العمل
الجمعوي الذي يقتصد من الإنفاق الخاص أو العام.
تقسيم العمل (الرأس المال الاجتماعي) و العمل الجديد: و في الأخير، نلاحظ
أن تطور العمل الإنتاجي أدّى إلى استبدال العمل الإنتاجي بعمل الآلات و تحويل
العمل الإنساني إلى عمل غير مادي، منه الغير إنتاجي مباشرة (الخدمات) و غير مباشرة
(عمل فكري). هناك تقسيم عمل جديد تبرز من
خلاله رؤوس أموال من نوع جديد (رأس مال اجتماعي، رأس مال بشري) يكون لها دور حاسم
في المنافسة الاجتماعية و العالمية. ما يطرح من جديد إشكاليةَ ضرورة بنيات
اقتصادية و اجتماعية جديدة، تأوي تقسيم جديد للعمل و الرأس المال، تسمح بتطور جديد
لرفاهية العالم.
سيؤثر التقسيم الجديد للعمل في المجتمعات المصنعة قديما بدون شك على تقسيم
العالمي للعمل. من بين الأسئلة التي يطرحها هذا التحوّل، نذكر التالي: هل سيؤدي
تصنيع بعض البلدان إلى تجديد النظام القديم لتقسيم العمل أم سيؤدي إلى بروز نظام
جديد؟
بعض محدِّدات النمو
¾
محدِّدات النمو متعددة: ثروات طبيعية، محيط خارجي، سكان، إبداع، استثمار،
معرفة و ترابط التنمية.
¾
حسب Xavier Sala-i-Martin أهم المتغيرات تتمثل في مستوى انطلاق التنمية: بقدر ما سيكون
البلد غني بقدر ما سيكون النمو بطيء. تُعرف هذه الفرضية بالتقارب المشروط.
¾
الحكومة : حجمها لا يؤثر عكس نوعيتها : التضخم، انحراف معدلات الصرف، عجز
الميزانية، إدارة غير فعالة: نتائج سالبة.
¾
تنمو الاقتصاديات المفتوحة بمعدل أكبر.
¾
فعالية المؤسسات مهمة: أسواق فعالة، اعتراف بالملكية الخاصة و دولة القانون،
كلها لها نتائج موجبة.
التنمية و تراكم رأس المال
لكي يحقق بلد تنمية لابد أن تتراكم عنده وسائل إنتاج أو
رؤوس أموال منتِجة.
1. رأس مال مُنتِج: المفهوم و قياس
يتكوّن رأس المال المنتج بكل وسائل الإنتاج. يتكوّن ب :
¾
رأس مال مادي: سلع التجهيز، مباني صناعية؛
¾
هياكل أساسية: طرق، شبكات
كهربائية، مواني و مطارات؛
¾
رأس مال طبيعي: مناجم و أراضي زراعية؛
¾
رأس مال بشري؛
¾
رأس مال فني
قياس: التكوين الإجمالي لرأس المال = التكوين الإجمالي لرأس
المال الثابت + نفقات التعليم التي تزيد من رأس المال البشري+ نفقات البحث و
التنمية - مباني لصالح العائلات.
محاولة أولى لتقييم الجهد المبذول لرفع قدرة الإنتاج :
الاستهلاك (المالي) – بناءات من طرف العائلات + ... + ...
ملاحظة: الاستهلاك المالي لا يغطي الاستهلاك الحقيقي
لرأس المال
2. قياس مساهمة مكونات رأس المال في
نموه
فشل المحاولات
الرياضية للأسباب التالية:
¾
قياس شيء (استهلاك رأس المال المادي) مادي بوسيلة مالية تقريبية؛ قياس رأس
المال البشري بقيمة حالية لعائدات مستقبلية.
¾
مساهمة رأس المال
للنمو ليست مباشرة و محدودة بدقة: لها "قيمة" و لا تساهم و العكس (هياكل
أساسية قديمة جدا (رومانية)، وسائل مازال نسدد من قيمتها الماضية و لم يبقى لها
قيمة حالية)؛
¾
لا يمكن دائما الفصل
ما بين مساهمة كل الأطراف، المكونات بسبب ترابطها.( multicolinéarité)
3. رأس المال الثابت
يتكون ب:
¾
سلع التجهيز
¾
هياكل أساسية
¾
مباني للإنتاج
يتطلب إنتاج سلع التجهيز مستوى فني مرتفع . بعض البلدان
فقط تستطيع صناعتها. و عند الاستيراد لا تناسب تلك السلع حاجات المستوردين: لا
يملكون اليد العاملة المؤهلة ؛ لا تناسب حاجتها في الإنتاج و الاستهلاك (عائدات
الحجم ناقصة، استغلالها غير كامل).
4. رأس مال بشري
في بداية عملية التصنيع، الرأس المال يعوّض عملا بسيطا و
بالتالي التصنيع عبارة عن اكتساب رأس مال ثابت أساسا يقتصد من العمل البشري. مع تطور التصنيع سيحتاج العمل إلى كفاءات
جديدة، أي سيحتاج التصنيع إلى رأس مال بشري.
ترجع الموارد الإنتاجية البشرية إلى عنصرين: عدد السكان
الذين يستطيعون المساهمة في الإنتاج؛ مؤهّلات هؤلاء.
4.1 السكان الذين يستطيعون المساهمة في
الإنتاج
يقدّر عدد السكان الذين يستطيعون المساهمة كما يلي:
عدد السكان – عدد السكان الذين لم يصل إلى سنّ العمل
-... الذين فاتوا سنّ العمل + ... الذين في سنّ العمل مازالوا في التعليم +... لا
يستطيعون العمل + عدد النساء اللواتي لا تساهمن في الإنتاج.
بنية السنّ الشابّة و العجوز: تتميّز كثيرا من البلدان
الفقيرة ببنيةٍ للسنّ معوّقة. آثار التقسيم الجنسي للعمل.
4.2 مؤهلات رأس المال البشري
تسمح تحقيق أرباح اقتصادية و غير اقتصادية.
الأرباح الاقتصادية مرتبطة بحاجات
سوق العمل من مؤهلات. يمكن أن يظهر
الاستثمار التربوي حاسم أو أن يؤدي إلى تبذير.
أحد مشاكل الاستثمار في رأس المال البشري يكمن في ارتباطه بالأجل الطويل:
إنجازه يحتاج و نتائجه تظهر في الأجل الطويل الذي من الصعب تحديد حاجاته.
الأرباح الغير الاقتصادية: الحركية
الاجتماعية؛ المساواة و التباين، التفاوت الاجتماعية؛ تربية البنات و تقسيم العمل
الجنسي.
4.3. هجرة اليد العاملة المؤهلة
البلدان النامية تصدِّر و تستورد يدا عاملة. يمكن أن يكون الرصيد سلبي إذا
هجرت اليد العاملة المثقفة و لم تعوضه الدخول المحوّلة لتلك اليد العاملة.
5. علاقة زيادة رأس المال المنتِج و نمو
الناتج
العلاقة ممثلة بالمعادلة التالية:
d PIB /
PIB = d PIB / dK . dK / PIB
تمثل dPIB / dK
إنتاجية رأس المال. عكسها يسمى معامل ICOR (« incremental capital output ratio ») ، تمثل جزء الناتج المخصص لتراكم رأس المال.
كيف نشرح الفروق في إنتاجية العمل بين البلدان؟
تُقدّم أربعة أنواع من الأجوبة :
¾
وفورا الحجم
¾
التمهين
¾
نشر التقنيات
¾
أرباح في توزيع الموارد
وفورات الحجم: مع زيادة
الإنتاج يسمح تقسيم العمل بتحسين التخصصات. تُقسم بعض التكاليف بين كميات أكثر،
تخفض من تكلفة الوحدة كمثل الهياكل الأساسية و البحث (RD).
التمهين: عند الإنتاج
نتعلم تحسين الإنتاج، بأكبر سرعة، جودة وبأقل تكلفة.
تسمح وفورات الحجم و التمهين من خلال التجربة بصنع ظروف النمو الداخلي.
نحصل من خلال زيادة الإنتاج على مكاسب في الإنتاجية أي تخفيض التكاليف و من ثم إلى
زيادة في القدرة الشرائية. ما يعود بزيادة في الإنتاج من خلال زيادة الطلب عليه.
استدراك و نشر التقنيات: يكلف إنتاج
التقنيات الجديدة تكاليف ثقيلة. تقليدها أو شراء حقوق استغلالها يقلل من
تكاليفها. يستفيد البلد الذي يتصنّع بعد
الآخرين بتجربة الأولين و يقتصد من تكاليف وجود تلك التقنيات. هذه المزايا تسمح
تحقيق معدلات نمو معتبرة في المراحل الأولى للتصنيع و استدراك ملحوظ في بلدان مثل
الصين و الهند.
مكاسب في توزيع الموارد. لا تقدِّم هذه الأجوبة سوى إمكانيات للنمو. لكي تتحقق
تلك الإمكانيات يجب أن يدخل استغلالها في إطار خطة للتنمية توزِّع الموارد المتاحة
لتحقيق أهداف معينة. لا تحقِّق الموارد وحدها تنمية: بعض البلدان بذرت مواردها
الكثيرة و أخرى حققت الكثير بالقليل.
06. اقتصاد التنمية و الاقتصاد الجزئي الحديث (عقلانية، حوافز و
مؤسسات)
مقدمة : اقتصاد كلي، اقتصاد جزئي و اقتصاد التنمية.
انحصرت في الماضي مشاكل اقتصاد التنمية في مشاكل الاقتصاد الكلي
: ادخار، استدراك التخلف، نوع الاندماج الدولي و ميزان المدفوعات الدولي و التعديل
الهيكلي.
يرجع السبب أساسا إلى الفصل الذي وُضع ما بين الاقتصاد، المؤسسات و سلوك
الأفراد. التفكير كان كالتالي: الاقتصاد سيغيّر السلوك و المؤسسات؛ ثم سيسمح اللجوء
إلى السوق و الديمقراطية (إجراءات مستوردة) حلّ مشكل المؤسسات و سلوك الأفراد.
يمكن القول أن بروز اقتصاد الجزئي للتنمية يرجع إلى :
- فشل خطط التنمية، التي اصطدمت بخطط و مصالح المؤسسات و سلوك الأفراد و التي كانت تفترض ارتباط الكل سيحدّد الجزء (التكامل المفترض ناقص أو الاستقلالية المفرطة للكل على الجزء).
- تطور الاقتصاد الجزئي في المجلات التالية : نظرية الأسواق غير الكاملة، منطق إنشاء و سير المؤسسات، السلوك أمام الخطر و المعلومات غير الكاملة، دور حقوق الملكية و الفساد الإداري.
سنقسم الفصل الحالي
إلى قسمين:
- الجزء الأول: دراسة سلوك الأفراد، منطقها أو عقلانيتها (علاقة الجزء
بالكل من الفرد إلى الجماعة أو المجتمع)
- الجزء الثاني: منطق أو عقلانية المؤسسات: الدولة، السوق، المؤسسات الوسطية (القرية، العائلة، أشكال الملكية، القوانين) و منطقها، محدِّداتها أو عقلانيتها.
- الجزء الثاني: منطق أو عقلانية المؤسسات: الدولة، السوق، المؤسسات الوسطية (القرية، العائلة، أشكال الملكية، القوانين) و منطقها، محدِّداتها أو عقلانيتها.
I. عقلانية القرارات الاقتصادية الفردية
• لا يستجيب الفقراء إلى حوافز الأسعار و يحافظون على مؤسسات غير
اقتصادية
• بسبب مستوى تعليم الفقراء (العقلانية المحدودة لقراراتهم)، الإدارة هي
التي تتولى إدارة التنمية و أمورهم.
• في الحقيقة، مواطنين البلدان النامية يسلكون مسلكا عقلانيا (الوسائل
مناسبة للأهداف) و لكن ليست لهم نفس التفضيل و لا نفس القيود.
• يكمن شرح الفرق مع البلدان الأخرى في أسواق غير كاملة
و معلومات ناقصة: يُعتبر استعمال تقنية زراعية تقليدية اختيار عقلاني بما
أنه يقلل المخاطر بالنسبة لفلاح لا يستفيد من معلومات حول تقنيات أخرى و لا يستفيد
من القروض.
1 .I.
سلوك الوحدات حسب منطق
Pareto
• حسب مقاربة Pareto - المرجعيّة للاقتصاد الجزئي- يمكن شرح المظاهر
الاقتصادية بسلوك الوحدات الاقتصادية التي
تبحث عن تعظيم بعض الأهداف في
إطار بعض القيود.
• يمكن
أن تكون الأهداف مثلا: تعظيم الدخل أو وقت الفراغ، أو تقليل المخاطر.
• يمكن أن تكون القيود متماثلة في:
← الحدود التي تضعها الإمكانيات المادية و الرأسمالية؛
← الإمكانيات الشخصية للأفراد: تجربة، ذكاء، مطالعة، آراء، تفكير، اعتقادات
خاطئة؛
← محيط الوحدات الذي تستطيع الوحدات تغييره، مثل أنواع الأسواق و المؤسسات
أين يعملون؛
← قيود طبيعية لا يمكن تنبؤها (كوارث طبيعية)؛
← قيد الوقت؛
← قيد المعطيات المتاحة
•بالنسبة لPareto الأفعال العقلانية هي التي تعظّم الأهداف تحت بعض القيود، أي الأفعال الوافية لأهدفها. و لكن ليس سهل التعريف بمفهوم التناسق
بين الأهداف و الوسائل، بسبب ترابط غير مباشر هناك سلوك يبدو غير عقلاني و لكن يؤدي
في الحقيقة وظيفة اجتماعية. يبيّن Pareto أن بعض السلوك
يجب أن تُعتبر "عقلانية" لأنها تخدم التناسق الاجتماعي، و تُعتبر
من عقلانية الجماعة أو المجتمع (مثل النذر).
2 .I. خصوصية سلوك وحدات
البلدان الأكثر فقر
.2 .I
1. خصوصية التفضيل
يفترض النموذج التقليدي الجديد أن المنتج يبحث تعظيم ربحه بزيادة إنتاجه. و
لكن أن يفضِّل الفرد تعظيم وقت فراغه، بعدما حقق مستوى معين من القدرة الشرائية،
سلوك آخر ممكن. من ثم ستؤدي زيادة للسعر ليس إلى زيادة الإنتاج بل إلى انخفاضه.
لُحظ هذا السلوك في إفريقيا، خاصة عند كون السلع المتوفِّرة قليلة و العمل متعب.
سيبذل حينئذ المنتِج الجهد الذي سيسمح له الحصول على بعض السلع الضرورية. (الوسائل
و الأهداف ليست مستقلة عن السياق).
يهدف سلوك الفلاحين الفقراء، كمثل غيرهم، إلى تقليص المجهول و الخطر: يزيد
الإنتاج عند زيادة السعر إن لم تزداد المخاطر و المجهول.
2 .2 .I. خصوصية القيود
أسواق
غير كاملة
لا يجد المنتجون الفقراء، غالبا، إلا أسواق غير كاملة لبيع إنتاجهم، خدماتهم
أو شراء "مُدخلاتهم". يجعل غياب تلك الأسواق سلوك أولائك المنتجين تتجه
نحو الاستهلاك الذاتي.
غياب
أسواق السلع
ما يزال عدد كبير من السكان معزول، لا يستطيع بيع و شراء السلع. مثل ذلك
سكان إفريقيا الوسطى أو الهضاب العلي لأمريكة الجنوبية أين صيانة الطرق ناقصة
لضمان تموين مستمر. في بعض الأحيان تُضيّق تكاليف النقل إمكانيات التبادل،
مثل أقصى في ذلك، حالة بعض جزر المحيط.كذالك فيما يخص المناطق التي ينقصها الأمن
أو تخضع لحروب أهلية.
عندما لا يملك المنتج إمكانية الشراء و البيع في السوق، سيتجه إلى
الاستهلاك الذاتي (أو الهجرة) و سينحصر تقسيم العمل إلى القرية و الإنتاج إلى الحد
الأدنى.
لا ينحصر عجز الأسواق في هذه الأمثلة القُصوى فقط.
هناك حالات عديدة توجد فيها أسواق و لكن السلع المتاحة قليلة لا
تسمح تحقيق كل الرغبات و لا كل الإمكانيات الفنية.
غياب
سوق القروض
سوق القروض وسيلة أساسية لتخصيص الأمثل للموارد بما أنه يسمح تحويل الادخار
إلى الاستثمار الأكثر عائدات و التي تُفترض
الأكثر نفعية. سيكون الاستثمار، بدون سوق للقرض، خاضع للادخار المسبّق، الشرط الذي
يمكن أن يُعجِز المستثمر. بالإضافة، بعض الاستثمارات تحتاج إلى الشراكة.
في البلدان النامية سوق القروض محدود جدّا بالنسبة للادخار لسببين:
غياب حقوق الملكية القابلة للرهن و تكلفة جمع المعلومات.
من أجل تخفيض تلك التكاليف، لجأت بعض المؤسسات للقروض الصغيرة، مثل Grameen
Bank في Bangladesh، إلى منظمات
قُرَوِية، التي توزع القروض و تتحمّل تكاليف تجميع المعلومات.
عندما لا يمكن الحصول على قرض يظهر الاستثمار و التغيّر التكنولوجي مستحيل
عند الفئات الأكثر فقر، التي لم يبقى لها إلا تجديد السلوك الروتيني القديم.
غياب
سوق العمل
بسبب هذا الغياب لا يمكن للمنتج إن يلجأ إلى خدمة متخصصة و بالتالي لا يمكن
أن يتطور تقسيم العمل.
غياب
سوق الأرض
يرجع ذلك إلى غياب الملكية الخاصة و سندات أو شهادات تلك الملكية.
الحال كذالك لجزء كبير من أراضي إفريقيا، أمريكة الجنوبية و الهند. غياب سوق الأرض
يجعل التطابق بين الحجم الأمثل للمزرعة و توزيع حقوق الملكية غير تلقائي.
سوق
العمليات الآجلة
تسمح هذه الأسواق للمُزارعين التأمين ضد تغيّرات الأسعار المستقبلية و
بالتالي تسمح تقسيم المخاطر. يبرر غيابها اتخاذ قرارات غير مثلى بالنسبة
للمنتج و المجتمع.
غياب
سوق تغطية الخطر
يمكن اعتبار مشكلة الخطر و عدم التيقُّن حالة خاصة للكمالية
الناقصة للأسواق، بما أن الخطر يبرز بسبب غياب سوق التأمينات. يشرح غياب
التأمين كثيرا من الممارسات التي لم تبدو اقتصادية.
كمالية
ناقصة للمعلومات
تُعرف المعلومات (information) كمجموعة المعطيات، المعتبرة من طرف العاملين موضوعية، يمكن أن
تسمح معرفتها تغيير سلوكهم. لا بدّ من
تمييزها من المعتقدات (حول معطيات غير ثابتة) أو التنبؤات. في بعض
الأحيان يصعب التمييز بينها.
يمنع غياب أسواق فعالة المنتجين من الحصول على معلومات تؤسّس قراراتهم.
II . مؤسسات و تنمية
سنعرّف المؤسسات كمجموعة العلاقات الاجتماعية التي تُقيِّد، تنسجم معها
أفعال العاملين.
هذا التعريف الواسع للمؤسسة يشمل:
- معايير غير مفروضة متبّعة تلقائيا أو إراديا (أو قواعد ضمنية)
كمثل سلوك التضامن الاجتماعي
- قواعد مفروضة من الخارج كالنظم القانونية
- المنظمات الاجتماعية التي تمثل تركيبات منظمّة لعاملين حسب قواعد
هرمية للوصول إلى بعض الأهداف، مثل المؤسسة، الإدارة أو العائلة.
حتى وقت قريب، كانت مشاكل التنمية محصورة في قضايا تكوين رأس المال، المادي
و البشري، و اختيار تقنيات الإنتاج الملائمة. لم تأخذ المشاكل المؤسساتية،
المرتبطة بالتنظيم الاجتماعي، بعين الاعتبار. و إن كان بعض الاقتصاديين يعتبرون أن
المؤسسات تلعب دورا مهمًّا في عملية التنمية، لم يكن من قدرتهم تقديم تحليل متماسك
لتكوين و سير تلك المؤسسات.
رُدَّّ الاعتبار لمشاكل المؤسسات لأسباب ثلاثة.
أولا، ظهر أن
اعتبار عملية التنمية دالة تقنية للإنتاج لا يشرح لماذا اقتصاديات بدخل
متساو تحقق مستويات التراكم مختلفة و لماذا عند استعمالها تقنيات و مستويات استثمار
متشابهة لم تصل إلى نفس معدلات النمو.
ثانيا، السياسات
المطبقة، غالبها ليبرالية، انطلاقا من السنوات الثمانين، تعارضت إلى ظواهر مثل الفساد،
ضغط مجموعات المصالح الخاصة، نقص المعلومات التي لم تأخذ في الحسبان
في إطار التحليل الكلي التقليدي للاقتصاد.
و في الأخير، فشلت تجارب
الخوصصة بسبب غياب حقوق واضحة للملكية. انطلاقا من السنوات 90 أخذ التحليل
المؤسساتي مكانا معتبرا في اقتصاد التنمية.
يرجع هذا المنعطف الجديد إلى تقدّم الاقتصاد الجزئي في السنوات
الثلاثين الماضية في أربع مجلات:
- تحليل تكاليف الصفقة (R.Coase , D.North, Williamson) الذي سمح فهم العقلانية الاقتصادية لمؤسسات خارج السوق؛
- تحليل المعلومة (Akerlof, Stiglitz)، خاصة منها
المشاكل المرتبطة بلا تناظر المعلومات التي سمحت فهم العقلانية العاملة تحت
بعض أنواع العقود و المنظمات الاجتماعية؛
- نظرية المبارات، خاصة منها المباراات التكرارية التي سمحت فهم كيف
دوال المنفعة للأفراد تتغير بالتجربة الاجتماعية؛
- و أخيرا تحليل الاختيارات الجماعية (M.Olson) الذي بيّن أهمية بعض الجماعات التي تدافع عن مصالحها الخاصة عند
اتخاذ قرارات تعني المصلحة العامة، مزيلا الوهم بأن سياسات التنمية تهدف إلى تحقيق
مصلحة عامة لم تُّحدد أهدافها و وسائلها بالدقة.
سنعالج هنا ثلاثة مواضع:
- دور حقوق الملكية
- دور السوق
- دور المعايير (normes) ، القوانين
و رأس المال الاجتماعي
1.
II..
دور حقوق الملكية
تمثل حقوق الملكية نوع مهّم من الاتفاقيات المؤسساتية.
يمكن أن تشمل الملكية ثلاثة أنواع من الحقوق (أ) حق استعمال مورد ما – و
يمكن أن يكون مقيّد، (ب) حق بيع الملكية و رهنها و (ج) إمكانية إقصاء من لم يملكها
من الانتفاع منها.
لا تتضمن كل الملكيات تلك الحقوق جمعا. يمكن أن نستنفع من شيء بدون أن
يُمكننا بيعها لغياب سوق أو سند الملكية. يمكن بيع ملك و لكن لا يمكن إقصاء بعض
الأطراف من الاستنفاع، كما هو الحال مع غابة غير مُسَيَّجَة. تُعتبر هنا حقوق
الملكية غير كاملة.
يوجد نظامين كبيرين لحقوق الملكية. الحقوق المضمونة في إطار جماعات
صغيرة، على أساس اعتراف متبادل و حقوق أخرى مضمونة في إطار نظام عام لقانون مكتوب. في أغلب قرى إفريقيا من بنى
بيتاً يُعتبر مالكه من طرف الأعضاء الأخرى للقرية بدون أن يملك سند كتابي للملكية.
في سبيل المثال، تتضمن حقوق ملكية الأرض ثلاثة حالات:
- ملكية جماعية تتضمن حقّ الاستنفاع لبعض الأطراف و لا حق البيع (أ). مثل
ذلك المراعي.
- حقوق التخصيص التي تشمل حقوق الاستنفاع و حقوق الإقصاء (أ) و (ج). مثل ذلك الأرض في النظام الإقطاعي الأوروبي.
- الحقوق الكاملة و التي تشمل الحقوق الثلاثة (أ)، (ب) و
(ج). و لكن يمكن أن تضع الأسواق أو القوانين حدّا لهذا الحق.
يطرح دور حقوق الملكية أسئلتين: لماذا تلك الحقوق و ما هي آثرها على مستوى
التنمية ؟
.1.1.II
لماذا
الحقوق الملكية ؟
تسمح حقوق الملكية، أساسًا، اجتناب السلوك الانتهازي، أي اجتناب
تبذير الموارد النادرة المسيّرة جماعياً.
يُبرز الانتقال من حق جماعي إلى حق فردي منفعة هامة، بإزالة
السلوك الانتهازي لبعض أعضاء المجموعة الذي يُبالغون عند استعمال الموارد الخاضعة
للعادة أو القانون الجماعي. و لكن يُبرز أيضا تكاليف تتمثل في تكلفة حماية
الحق للملكية، من طرف الفرد و الدولة منها تكاليف التسييج، التسجيل و المرتبطة
باحترام تلك الحقوق (موثِّق، شرطة).
.2.1.II
دور حقوق الملكية في التنمية
تسمح الحقوق الفردية، إضافة إلى الحماية ضد السلوك الانتهازي، تقدّم في
مجالين آخرين.
أولا، يسمح أن يُقسم سند الملكية بدون أن يُقسم رأس المال
المادي. في اقتصاد السوق تقسيم حق الملكية إلى أسهم يسمح الاستثمار من طرف عدد معتبر من
المستثمرين.
ثانيا، يسمح حق الملكية بالاستفادة من القرض بضمان رهن و بالتالي
الاستثمار.
.3.1.II مثل الحقوق الجماعية و نظم العَقارية
الإفريقية
إفريقية تحت الصحراء هي القارة الوحيدة التي تعاني من عجز غذائي معتبر. لم
تعرف إفريقيا عكس آسيا ثورة خضراء، تستغّل أنواع جدد من البذور بفضل برامج
السقي و استعمال السماد.
بحث كثير من المؤلفين، منهم بعض اقتصاديين البنك العالمي، شرح ذلك
في غياب حقوق المالكية الخاصة على الأرض، مُعتبرا أن نظم الحقوق الجماعية
تشجِّع السلوك الانتهازي و توهن الاستثمار. تؤدي من جهة إلى تبذير الموارد
الطبيعية و من جهة أخرى إلى إيهان الاستثمار الفردي.
الموارد المشتركة، مأساة إفريقيا ؟
ستُعرّف هنا الحقوق الجماعية بحق انتفاع (أ) بدون حق منع الغير المشارك في
الحقوق بالانتفاع (ج). و سنميّز بين الموارد المشتركة المحلية و الأخرى العامة
التي لا تستطيع أي جماعة السيطرة عليها بسبب تكاليف مراقبتها (بحار، مساحات شبه
صحراوية، غابات). بما أن تلك الموارد لا يمكن مراقبتها، و استعمالها حسب قاعدة
قانونية، ستُعرض للتبديد.
مشكل حقوق الملكية الجماعية تكمن في غياب "تدخيل" (internalisation) الآثار
الخارجية (جعل المنافع و التكاليف الخارجية خاصة، التي تنجرّ من خلال عملية إنتاج
المنفعة، داخلية): المنفعة المستخرجة من استعمال وسيلة نادرة لا تعادلها تكلفة و
بالتالي لا يهتم المستغِّل بآثار فعله على الوسيلة أو باقي أعضاء المجموعة. و
بالتالي لا يمكن أن يكون ذلك الاستعمال لحق الملكية هو الأمثل. مثل ذلك قطف الثمار
قبل وقتها أو حطب الأشجار الصغيرة، كذلك حرق الغابات من طرف الرعاة لإحداث مراعي.
•ما دام المورد وافرة تبقى الملكية الجماعية غير
مُضِّرة. بل إنما هي مبرَّرة لأن تكاليف تكوين الملكية الخاصة (تسييج و مراقبة)
تفوق الأرباح الاجتماعية المرتبطة بانخفاض التبذير. و لكن، بما أن الوسيلة تصبح نادرة،
تزيد قيمتها و تكاليف تبذيرها. بما أن الملكية الجماعية تسمح استغلال مُفرط للمورد
فإنها تؤدي إلى سوء التسيير و إلى حصول مأساة إيكولوجية. لكي يُجتنب هذا النوع من
التبذير، يجب أن يكون تسيير الموارد الجماعية المحلية صارما. و يمكن أن يكون
للمجتمع الحلّ الأفضل في "تدخيل" الآثار الخارجية بتبني الملكية الخاصة
(أنظر Alchian et Demsetz 1973).
لا بدّ من
التمييز بين الملكية الجماعية و غياب الملكية. لأن الملكية الجماعية لا تعني فسح
المجال للكل في الاستعمال لأن الجماعة يمكنها أن تحدّد القواعد الدقيقة للاستعمال.
يجب أن يُعتبر الحق الجماعي ليس كحق تبذير الملكية الجماعية ولكن كقاعدة تسيير ملك
جماعي لا يمكن خصخصته بسبب آثره الخارجية الكبيرة (مثل الماء).
و لكن تفترض
تلك الملكية الجماعية وجود سلطات جماعية ترعى على تطبيق قواعد
التسيير الجماعي في مصلحة الجميع. غالبا، لم يكن الوضع كذلك: المصالح غير
متميِّزة، متنافسة و غير متّفقة على أطر منافستها.
حقوق ملكية جماعية و استثمار
يبدو أن غياب حق الملكية الخاصة عاملا يجعل الاستثمار مُهان في الأجل
الطويل. أولا، لأن المستثمِر سيُشرِك غيره في تقسيم نتائج عمله و ثانيًا لأنه لا
ضمان استغلال في الأجل الطويل. لهذين السببين يظهر أن الملكية الجماعية غير فعالة
بالنسبة للملكية الخاصة و يمكن أن تُعتبر كأحد مُعوِّقات الثورة الخضراء.
تعارض هذا الطرح إلى انتقادات كثيرة. منها أن الملكية الجماعية لا تعارض
الاستغلال في الأجل الطويل و أن النظام الملكية الجماعية قابل للتكيُّف إذا
اقتضتها الظروف.
2
II. دور السوق
.1.2.II
مزايا
السوق
يتفوّق السوق التنافسي عن غيره بمزيّتين حاسمتين في عملية التنمية : نشر
المعلومات، التحفيز على الإنتاج بأقل تكلفة و البحث عن التجديد.
نشر
المعلومات
في اقتصاد بدون أسواق – مثل الاقتصاد المركزي – المعلومات الضرورية لاتخاذ
قرارات الإنتاج و الاستهلاك ناقصة. لا يمكن للمستهلك أن يُظهر تفضيله إلاّ من خلال
الطوابير أو من خلال ما يتركه فوق رفوف المتاجر. و أيضا لا يبدي المنتج قيوده
الحقيقية: يبالغ فيها أمام إدارته لكي يحقق أهدافه بأقل تكلفة. يؤدي غياب السوق
إلى إنتاجية ضعيفة و إلى عدم تناسب بين الحاجات الحقيقية للمستهلكين و الإنتاج.
يُعتبر نظام غير ديمقراطي لتلبية حاجات المواطنين. إن كان لهذا النظام فعالية في
مجتمع لم يُحقق تلبية حاجاته الأساسية أو في مجتمع يحقق إجماع واسع حول أهداف
التنمية، فإنه يصبح غير معقول في اقتصاد
ينتج الآلاف من السلع.
يلعب الإعلام من خلال السعر دورا أساسيا في تخصيص الموارد النادرة. تشير
زيادة سعر السلعة إلى زيادة الطلب عليها ما سيدفع المنتجين إلى الاستثمار و زيادة
إنتاج السلعة المطلوبة، باستخدام تقنيات جديدة أو البحث عن سلع بديلة. أما
المستهلكون سيحاولون الاقتصاد من المورد النادر و استعمال سلع بديلة. تسمح
المعلومات التي يقدمها السوق إعادة توازنه.
الحافز
يمثّل أيضا اقتصاد بدون سوق اقتصادا بدون حافز مادي. و تجاوز أهداف المخطط
أو زيادة في الإنتاج يمكن أن يكوِّن خطرا.
يفترض السوق التنافسي مُنتِجا ينتج بأقل تكلفة، إن لم يريد أن يُقصى. المنافسة حافز، مهماز عظيم، لإدخال تقنيات جديدة أو
مكاسب جديدة في الإنتاجية.
بيّنت تجربة تحرير الاقتصاديات المخططة في السنوات 80 في الصين و
السنوات 90 في الهند أن إدخال الأسواق تسمح تنشيط الإنتاجية
و النمو.
الشروط المسبّقة
. 2. 2 .II شروط
وجود السوق
لم تولد الأسواق من تلقاء نفسيها. تسبقها شروط اجتماعية و مؤسساتية. و من
ثم من الوهم إيراد فرض آليات السوق لاقتصاديات لا تتمتع بالشروط المطلوبة.
الشروط المؤسساتية.
يقتضي وجود السوق ثلاثة شروط: وجود حقوق فردية للملكية؛ وجود قواعد قانونية
و إمكانية المعاقبة عند عدم تطبيقها و وجود عملة مستقرّة.
بما أن السوق مجال لتبادل حقوق الملكية، يجب أن تكون تلك الحقوق محددّة
بدقّة لكي تتداول. و يختلف الأمر عن ذلك عندما لا يملك صاحب الحق شهادة أو
سندًا، و عندما تكون الملكية جماعية.
حينئذ يكون التبادل مرتبط باتفاق جميع الشركاء.
بعد تحديد حقوق الملكية (الشيء الذي ليس بالسهل دائما) يجب تحديد قواعد سير
السوق، القواعد التجارية التي لا تبرز من تلقاء نفسها. إنها تقلّص من تكاليف
الصفقات.
بعد ذلك تُحدَّد الوحدة النقدية. لم تبق المقايضة ممكنة بسبب كثرة السلع.
يمكن اللجوء إلى نوعين من الوسطاء: سلع لها قيمة ذاتية أو أوراق نقدية. تتميز الأولى
بتكاليف إنتاج يمكن أن تعيق التبادل، يمكن أن تكون قيمة الثانية موضوع تلاعب
للسياسة النقدية.
بعد ذلك يجب أن تُحمى المعاملات، ما يفترض نظام قضائي و آخر أمني.
تكاليف سير الأسواق
يملك التبادل تكاليف متميّزة. تتعلق أهمها بالبحث عن معلومات حول السلع و الخدمات
موضوع التبادل. يمكن أن تكون منعدمة في ما يخصّ أغلب السلع و الأسواق و لكن مرتفعة
في أخرى متميزة، مثل أسواق اليد العاملة المؤهّلة و القروض و التأمينات، أين
للمتعاملين فائدة في إخفاء بعض الحقائق، مثل العمل المبذول من طرف عامل أجير.
تكاليف الصفقة
تُسمّى التكاليف المؤسساتية و التكاليف سير الأسواق تكاليف الصفقة. يجب أن
تُقارن بمكاسب يُحصل عليها من خلال عملية التبادل. في بعض الحالات لا تغطي تلك
المكاسب تكاليف الصفقة. ذلك هو الحال
عندما تكون تكاليف تسجيل و حماية حقوق الملكية مرتفعة في حين لا تدخل تلك الحقوق
في السوق إلاّ نادرًا. مثل الأراضي في بلدان لا يوجد فيها سجلّ عقاري و تكون فيها
تكاليف التسييج مرتفعة. و هو أيضا كذلك، حينما تكون السلوك الانتهازية ممكنة، بسبب
أن بعض المستعملين لا يدفعون سعر الخدمة و استرجاعه صعب (مثل المنارة).
3
.2 .II اختلال
في السوق
يكثر الاختلال في السوق.
أوّلًا، يمكن أن يكون احتكار أو
تفاهم بين المنتجين. في هذا الحال هناك ربح غير عادي و غير مبرّر اقتصاديا.
ثانيا، يمكن أن تكون حالة اللاتناظر المعلومات كبيرة بين المتعاملين.
ثالثا، يمكن أن يكون السوق فعّال و في نفس الوقت يؤدي إلى حالة لا تُطاق
اجتماعيًا، إي أن يؤدي دوره الاقتصادي لا الدور الاجتماعي، طالما يحرّم فئات
اجتماعية واسعة من استفادة خدمات و سلع أساسية، مثل الماء، أو خدمات قطاعات الصحة
و التعليم.
3 .II لماذا توجد مؤسسات خارج السوق.
شاهدنا سابقًا أن للسوق تكاليف تسمى تكاليف الصفقة (مرتبطة بالبحث على
المعلومات، بإنشاء و حماية حقوق الملكية) و تكاليف اجتماعية.
عندما يظهر أن بعض هذه التكاليف مرتفعة (بالنسبة للمكاسب التي يمكن أن
تحققها تلك الصفقة) يمكن أن تستمر بعض المؤسسات خارج السوق. تكمن القضية الأساسية
في إمكانية مقارنة تكاليف المؤسسات خارج السوق و تكاليف الصفقة للسوق. هذا موضوع
تفكير و أعمال "المؤسسيين الجدد" في مجال التنمية.
سنبحث إذاً في "تكاليف و أرباح" السوق و مؤسسات خارج السوق.
يمكن التمييز ما بين نوعين من تكاليف الصفقة: تكاليف وَضع المؤسسات
الأولية، الضرورية لوجود السوق و تكاليف سير السوق أو تكاليف السوق في ذاته.
تكاليف تسيير المؤسسات خارج السوق
كما توجد في الأسواق تكاليف الصفقة، للمؤسسات خارج السوق تكاليف التسيير تقتضيها،
خاصة، السلوك الانتهازي للعاملين.
يُقصد بتلك السلوك:
- القول بما هو ليس صحيح ("الخطر المعنوي" بالفرنسية "aléa
moral" و بالإنجليزية «moral hazard»)
- فعل ما التزمنا بعدم فعله أو الاختيار المعادي ("sélection adverse" ou
anti-sélection)
- و بصفة عامة عندما نبحث عن مصالحنا الخاصة على حساب مصالح المؤسسة.
هذا السلوك ممكن لأن في نفس المؤسسة لا يملك عملائها نفس المعلومات (حالة
لا تناظر المعلومات) و لا يمكن تصحيح ذلك و لا معاقبة المستغل. حالة لا تناظر
المعلومات تكون واسعة بقدر ما يكون تقسيم العمل واسع في المنظمة و تكون المهام
المختلفة معقّدة.
يجب أن تُقارن تكاليف إدارة المؤسسات خارج السوق و تكاليف الصفقة في السوق
و هذه المقارنة – لربح اقتصادي مساو – تسمح لنا شرح، حسب الطرح المؤسسي الجديد،
توزيع النشطات بين السوق و خارجه. و كذلك أن تقارن الهياكل الخاصة بالبلدان الغير
مصنّعة، كالشبكات الاجتماعية المختلفة (العرقية و العائلية منها)، المساومة (تعدد
الأسعار) أو نظام "الخمّاسة" (عقد استئجار أرض يتقاسم به المستأجر و
المؤجر غلتها). يبقى أن هذا الطرح يتعارض إلى انتقادات كثيرة.
أولًا، ليس لنا أي وسيلة لقياس مزايا و تكاليف المؤسسات و فعاليتها. لا
يمكننا إجراء تجارب إنتاج سلع بمؤسسات
مختلفة و لا قدرة قياس تكاليف أو مزايا غير نقدية. أيضًا فيما يخصّ رأس المال
الاجتماعي و نشر المعلومات. و من ثم التقدير بأن المؤسسات السائدة هي الأكثر
فعالية لا يمكن التصديق به.
ثانيًا، يمكن القول بأن كثير من المؤسسات يرجع سبب وجودها ليس إلى فعاليتها
بل لارتباطها بمجموعات من المصالح (Olson 1982). ذلك هو حال
كثير من المؤسسات التي تخدم مصالح مجموعات صغيرة جدّ نشيطة تستغل شكل الاحتكار
لحماية مصالحها. و هذا ما يشرح أيضًا استمرار وجود مؤسسات ضارّة أو غير ملائمة.
تلك المؤسسات تبرّر ظهور ثورات لتغير الوضع و إزالة تلك المؤسسات الغير فعّالة و
التي لا تترك المجال لغيرها.
4 .II مقاييس، قوانين ورأس مال اجتماعي
سنسمّي "قاعدة" كل مقياس اجتماعي تكراري يجب على كل عامل اقتصادي
أخذه بعين الاعتبار في أفعاله. تسمح المعايير بتسوياتها للسلوك تقليص تكاليف اتخاذ
القرارات، تكاليف التمرين الاجتماعي و أخرى مرتبطة باكتساب المعلومات. بساطة
القواعد ضمان لفعاليتها.
يمكن التمييز ما بين قاعدتين. الأولى قد نسميها "خارجية"
لأنها تُفرض على الفرد و عدم احترامها يُعاقب، أما القواعد الداخلية فهي
التي تُتبع من طرف الفرد إراديا. احترام
قواعد الوقوف في المدينة قواعد خارجية أمّا التضامن مع الجوار قاعدة "داخلة"
أو داخلية. هذا التمييز مهّم لأن العمل (تأسيس و احترام) بقاعدة خارجية
يمثّل تكلفة اجتماعية يمكن أن تكون مرتفعة بالنسبة لقاعدة أصبحت داخلية.
1 .4 .II القواعد الخارجية : نظام
قانوني
تكوّن مجموعة القواعد الخارجية النظام القانوني.
وجود قواعد قانونية مقدِّمة أساسية للتنمية لأن تحديد الخطط الاقتصادية من
طرف العاملين الاقتصاديين يفترض معرفتها.
يُميَّز عادة في تاريخ الغرب ما بين نظامين أساسيين للقانون. إنه « common
law » القانون العام الانكلوسكسوني و
قانون المشرِّع، كالقانون الروماني و
قانون Napoléon.
حتى القرن الثامن عاشر كانت العادة (أو العُرف) سائدة على كل أوروبا. في
مادة القانون التجاري مثلا، كانت القضاة تأخذ من الممارسات التجارية الأحسن منها،
ثم تصنع قانونا. لم يتعمّم قانون عرفي
مكتوب إلاّ في القرن ثامن عاشر. في هذا النظام القانون مؤسسا على ممارسات اجتماعية
قواعدها تكون داخل المجتمع و ليس على تفضيل المشرِّع.
أثناء القرن التاسع عاشر تبنّت بلدان أوروبا الجنوبية و ألمانية القانون
التشريعي في حين تبنّت البلدان الانكلوسكسوني قانون مستخرج من أحكام القضاء إن لم
يكون من العرف. يبقى أن تعارض النظامين نسبي، لأن القانون التشريعي أحد مصادره
العرف، و القانون العرفي يصنعه و يغيّره المشرِّع.
يمكن طرح السؤال التالي: هل هناك نظام يُفضِّل التنمية ؟
بالنسبة للاقتصاديين اللبراليين يجب أن تكون القوانين مؤسسة على معايير
اجتماعية لسببين.
أولا، بما أن المعايير الاجتماعية التي تظهر من خلال العادة محترمة
تلقائيا، سيكون احترام القانون العرفي سهلا بخلاف القانون التشريعي الذي يمكن أن
يُرفض من طرف المحكومين.
ثانيا، حسب موقف قانوني دارويني ، يمكن افتراض أن القواعد القانونية التي
تفرض نفسها في الأجل الطويل هي الأكثر فعالية، و لو كان غير ذلك ما حصل الذي
حصل.
لا يمكن مناقشة الحجة الأولى و لكنها لا تبرر القانون العرفي، الذي يمكن ان
يخص فئة قليلة من المجتمع و يتعارض مع الصالح العام. أما الحجة الثانية تعارضت إلى
انتقادات كثيرة. لأنه يمكن أن تكون الفعالية اقتصادية أو اجتماعية و أن تتعارض
لمفهوم الأخلاق.
2 .4 .II المعايير الاجتماعية الداخلية و رأس المال
الاجتماعي
هناك بعض المعايير الاجتماعية تُتَبّع طوعيًا من طرف الأفراد بدون إجبارهم
بالقانون. إنها قواعد أخلاقية، تضامنية أو أدبية. تقلص الثقة من تكاليف الصفقة
التجارية، ما يشرح نجاح بعض الجماعات.
عندما تسمح تلك القواعد نمو الإنتاج تسمى أحيانا "رأسمال
اجتماعي". ما يبرّر مصطلح "رأسمال" هو الزمن المطلوب لإنشاء وثبوت
تلك القواعد، خاصة فيما يخص "رأس المال الثقة"، و هي إمكانية استعماله
من طرف العاملين. بخلاف رأس المال المادي لا يستهلكه الاستهلاك، بالعكس يتجدد و
ينمو معه. يمكن أن يُصنع من خلال حفلة (Wollcock 2000).
يشجّع رأس المال الاجتماعي الإنتاج و التبادل بقدره تخفيض تكاليف المعلومات
و المفاوضات. كان موضوع اهتمام للباحثين لفهم ثلاثة جوانب لاقتصاد التنمية : نجاح
المجموعات العرقية أو الدينية الصغيرة، تسيير البيئة و تمويل المشاريع الصغرى.
توجد جماعات تملك رأس مال اجتماعي قوي يقلّص تكاليف صفقاتها. حينئذ تُبنى
العلاقات المالية و التجارية على الثقة. يشرح هذا الرأس المال نجاح جماعات اليهود،
صينيين خارج الصين و أمَزيغ السوس. تكون هذه الجماعات أكثر تضامنا بقدر احتقارهم
من طرف المجتمع.
يمكن أن تكون قاعدة داخلة لأسباب دينية، من خلال التربية و لكن أيضا من
خلال "تجربة الحياة" أو التعلّم من خلال التجربة.
مجتمع يقبل فيه الأفراد طوعا معايير اجتماعية مفيدة يملك ميزة كبيرة حيث أن
النزاعات فيه قليلة. لا يحتاج المتبادلون إلى معرفة إن كان شركائهم أمناء، نزهاء و
لا التفكير في احترام الكلمة أو حماية الأموال المكتسبة. يستفيد حينئذ المجتمع
بميزة تجارية تقلّص من تكاليف القضاء و الأمن. بالعكس مجتمع لا يحترم تلقائيا
القواعد ترتفع تكاليف الصفقات. ذلك الحال في العديد من اقتصاديات إفريقيا.
اقتصاد التنمية
الباب
الثاني: نظريات التنمية
الفصل الأول: تمويل المرحلة الانتقالية
يتمثل المشكل المركزي للنظرية الاقتصادية حسب Arthur
LEWIS (1954) في فهم كيف يتحوّل مجتمع يدّخر و يستثمر أربعة إلى خمسة بالمائة
من دخله إلى اقتصاد يصبح فيه الادخار الإرادي يساوي من 12 إلى 18 بالمائة من
دخله أو أكثر.
مقولة Ragnar
Nurske التي تقول أن "بلد
فقير لأنه فقير" (1953)، تعبّر عن الفكرة العامة:
التخلف دائرة مفرغة. الادخار ناقص لأن
الدخل ضعيف؛ الدخل ضعيف لأن ارتفاع الإنتاج يصطدم بأسواق غير فعالة، بوفرة ناقصة
لرؤوس الأموال، بغياب دوافع للاستثمار ، إلخ... و لهذا ، إلى أن يصبح الادخار
الداخلي كافيًا لكي يغذّي النمو نفسه و تعيد التنمية بتمويل نفسها، المشكل الأساسي
هو انطلاق التنمية، تمويل المرحلة الانتقالية.
قبل أن تظهر أزمات المديونية كان يُعتقد أن
زيادة الدخل ستمنح موارد جديدة للاستثمار؛ زيادة إلى ذلك، سيتنوّع الإنتاج و تتسع
استقلالية الاقتصاد الوطني، بما أن العملة الوطنية، مهما كان مصدرها (القرض أو
الادخار) ستصبح تتبادل بقدر أكبر من السلع. لهذا دعم المساعدة الخارجية كان
ضروريًا للمرحلة الانتقالية. ألم تستعين
أوروبا بمخطط Marshall بعد الحرب ؟
و لكن برزت دراسات في نهاية الستينات، تبيّن
علاقة سلبية بين التدفقات المالية الخارجية و الادخار الداخلي. لم يبدو أن متغيرة
الادخار يرتفع مستواها مع زيادة الدخل، كما كان يفترضه أتباع Keynes . نقاش قديم بين التقليديين
الجدد و الكينزيين : من هو الأول من الادخار و الاستثمار في حركية النمو ؟
يمكن
التمييز بين أربعة نظريات لتمويل مرحلة الانتقال حسب مرجعيتها النظرية : الأولى لArthur Lewis (1954)التي تنتمي إلى نظرية
التراكم للاقتصاد السياسي التقليدي؛ الثانية لPaul
Baran (1957) التي تُستمدّ من مفهوم Lénine للفائض المجند من طرف الدولة؛ الثالثة لHollis Chenery (1966) التي ترجع إلى النظرية
الكينزية للنمو و أخيرًا أطروحة التعميق المالي ل Ronald MacKinnon (1973) التي تفتح منعرج هام كأطروحة
التحرير المالي.
1 . تحويل فائض اليد العاملة إلى فائض ربح.
في الأجل الطويل، يتبع التراكم توزيع الدخل، و بالأخص مستوى الربح، ككلية
متبقية بالنسبة للأجر و الريع. عندما ترتفع نسبة الربح، يتعجّل التراكم و العكس
صحيح. انطلاقًا من هذا التصوّر يقترح A. Lewis الطرح
التالي : استخدام فائض اليد العاملة في قطاع يتميّز بإنتاجية حادية ايجابية يؤدّي
إلى أرباح متزايدة.
العمل بالفائض
من اليد العاملة
يوجد قطاعين في الاقتصاد المتخلف : قطاع تقليدي معيشي
بفائض ثابت من اليد العاملة و قطاع حديث رأسمالي.
يتمثل الأجر العادي في أجر معيشي يساوي تقريبًا الناتج
الفردي المتوسط في الزراعة التقليدية.
عرض اليد العاملة غير محدود عند الأجر العادي طالما يوجد
فائض لليد العاملة. الإنتاجية الحادية للعمل منعدمة في القطاع التقليدي، أي لا
ينخفض فيه الإنتاج عندما تؤخذ اليد العاملة الزائدة.
يُفترض أن الإنتاجية الحادية متناقصة مع زيادة التشغيل
في القطاع الرأسمالي. يزداد طلب على اليد العاملة في القطاع الرأسمالي حتى يتساوى
الأجر العادي و الإنتاجية الحدية. المخطط 1 يمثّل كميات العمل OL1 ,OL 2 التي يستطيع القطاع
الرأسمالي استيعابها. يمثل المستطيل OWTL2 كتلة الأجور المدفوعة و يمثل الشكل WN2T كتلة الأرباح عندما يُستعمل كل
فائض اليد العاملة.
يزيد إعادة استثمار الأرباح الطلب في العمل: تنتقل
إحداثيّات المنحنى NN إلى اليمين
و يرتفع المنحنى إذا وُجد تقدم تقني. بعد امتصاص فائض اليد العاملة (النقط T ) يصبح عرض العمل مرين بالنسبة
للأجر العادي – أي يرتفع الأجر مع العرض و تزول الثنائية أي يزول الفرق بين
القطاعين و يصبح الاقتصاد متطور.
لا يأخذ تكوين الرأس المال الجديد من وسائل إنتاج القطاعات الأخرى. يموّله
قرض يؤدّي في البداية إلى تضخم الذي يزول تدريجيا مع الزيادة في الإنتاج. يمكن أن
يصاحب التضخم تغييرٌ في الأسعار النسبية و في توزيع المداخل. يمكن أن تتوقف عملية
التراكم قبل نهاية المرحلة إذ لم تصل الأرباح إلى الحدّ الكافي. يأخذ Lewis بعين الاعتبار حالات عديدة تُعرقل فيها عملية
التراكم – خاصة تلك التي تتدهور فيها أسعار القطاع الحديث بالنسبة لأسعار القطاع
التقليدي، أو حينما يجب استجابة الطلب على
سلع المعيشة بإدخال تقنيات رأسمالية لرفع مستوى العرض، الشيء الذي يؤدّي إلى
اقتسام الربح بين القطاعين.
بما أن مرونة الدخل بالنسبة لطلب أقل من 1 فيما يخصّ
المواد الغذائية (قانون Engel) كل تحسين
للإنتاجية الزراعية ستستفيد منها الصناعة: بالفعل انخفاض أسعار الزراعة لا يستوعبه
ارتفاع متناسب للطلب.
يبدوا واضحًا من خلال هذا العرض أن المقصود في المرحلة الانتقالية هو
السيطرة على حركة الأجر الحقيقي (و أيضًا حركة الريع، لذلك يُفترض هنا أن عرض
الأرض غير محدود) باجتناب تحسين أسعر مواد المعيشة بالنسبة لأسعار الصناعة. إذا
اقتضت المرحلة الانتقالية زراعةً رأسمالية لكي يكون عرض الزراعة كافيًا مثلاً، يجب
على الصناعة أن تستعيد الفائض الزراعي في شكل دخل من خلال الأسعار أو الضرائب. في
هذه الظروف يستطيع A. Lewis القول بأن
"الزراعة هي التي تموّل الصناعة".
الزراعة تموّل
الصناعة
من القرن الثامن عشر، مع Cantillon و Quesnay إلى عصرنا هذا مع A. Lewis ، نجد فكرةٌ
أن عملية تراكم رأس المال مبنية على نقل موارد من الزراعة إلى الصناعة بدون
تعويض. عند Ricardo يُعتبر تقليص الريع التفاضلي، بالقضاء على حماية الزراعة، وسيلة
لنقل الدخل من الزراعة إلى الصناعة عن طريق خفض أجر المعيشي و الريع معا. يساوي
الفائض عندا J.C.H. Frei و G. Ranis (1964) الذيْن
شكّلا نموذج Lewis، الفرق بين الناتج الكلي و
كتلة الأجور المدفوعة لليد العاملة الزراعية. فهو نوع من رصيد أجور عمال غير
الزراعة يمثّل إمّا دخل لملاّك الأراضي الذين يستطيعون به تمويل التنمية، إمّا دخل
يمكن على الدولة الحصول عليه من خلال الضرائب على الملاّك و توظيفه في مكان هؤلاء.
يتجسّد الاحتمال الأول في مثال l'île Maurice أين نوّع
كبار المزارعين المتخصصين في زراعة قصب السكر استثمارهم في اتجاه صناعة النسيج
بتشغيل النساء منذ سنة 1975. أما
الاحتمال الثاني يُعيدنا إلى النظرية إلى التجربة السوفييتية و التي سيتبع عرضها
(أنظر التحت النقطة 2) . في نقاش
سنوات العشرين من نفس القرن و في الاتحادية السوفييتية، اختار Eugène
Préobrajensky (1926) تشريك
الزراعة و إخضاع الفلاحة للضريبة و أخذ فائض منها لتمويل صناعة الدولة
("التراكم البدائي الاشتراكي"). سمح حجم الاقتطاع تصنيعا سريعا و لكن صاحب ذلك قمع شديد و فقدان دائم في
توازن وسائل المعيشة.
كوّن هذا النموذج مرجعية للصين قبل الثورة، و للهند و الجزائر بعد
الاستقلال. تنوعت أشكال الاقتطاع: عمل مباشر لبناء الطرق و المدارس في الفصول
الفارغة، ضرائب (على الأرض، على الدخل الزراعي، و ضرائب غير مباشرة) سياسة
الأسعار، قروض انتقائية لصالح القطاعات غير الزراعية، الخ...
لا يعني الرجوع إلى التجربتين أن Lewis أراد رسم خطة للتنمية. تسمح فرضية فائض اليد العاملة
القول فقط بأن الأجر مستقر طالما استمر الفائض، أو طالما بقيت الإنتاجية الحادية
للعمل منعدمة في القطاع التقليدي. بدأ
الجدل الذي مسّ النظرية Lewis بنقاش هذه
الفرضية.
فيما يخص التحليل الميداني، ما يمكن احتفاظه من نظرية Lewis هو أن شرطا لابدّ تحقيقه لناجح المرحلة انتقالية، يتمثّل في تمكين الربح
من التقدّم المستمر في الدخل الوطني. و لا تقول النظرية من سيكون صاحب هذا
التمكين، الدولة أم القطاع الخاص، عكس النظريات الأخرى.
2.
تعبئة الفائض من طرف الدولة.
توجد إمكانية للتمويل بطريقة داخلية شريطة أن تتدخّل الدولة لِتُجنِّد
الفائض الاقتصادي الكامن في قطاعات الإنتاج الأساسية. تمثّل أطروحة Paul BARAN طيار فكري
يقترح قطيعة سياسية و مؤسساتية عند دخول
المرحلة الانتقالية.
حسب Baran الفائض الكامن مُعتبر بالنسبة
للفائض الفعلي (الذي يمثّل تقريباً الادخار الداخلي) في البلدان المتخلفة. ما
يوسِِّع الفرق بين الاثنين، هو الاستهلاك الغير منتج، تبذير الموارد، أو أيضا،
اقتطاعات الرأس المال الأجنبي. يرجع للدولة أن تتكلّف بتجنيده عن طريق التأميم و
تسييره بصفة مركزية.
سيبرّر هذا الطرح موجة التأميم
التي ستجتاح السنوات الستين : عدد كبير من البلدان المتخصصين في إنتاج المواد
الأولية، مُتبنيّين الاشتراكية أم لا، سيؤمّمون أهم قطاعات التصدير (استغلال
المناجم و المحروقات، تجارة المنتوج الزراعي)، مستوليين على ريع أو ربح تجاري.
سيعرض هذا الدور الجديد الدولة إلى حمل أعباء تقلبات أسعار الأسواق الدولية.
سيؤدّي انخفاض أسعار الصادرات إلى أزمة ضريبية،
تكوين و تزايد ديون خارجية للدولة.
أمّا زيادة الأسعار، أسعار المحروقات خاصة في السبعينيات، ستُعتبر سببًا
لانخفاض قدرة المنافسة للاقتصاديات. ما سُمِّيَ ب"العَرَض الهولندي":
انخفاض الصادرات الصناعية في هولندة في سبعينيات، كان نتيجة عن حركة التضخم
المنسوبة إلى الصعود السريع للغاز الطبيعي الذي كُشِف سنة 1960. الدراسات
التي خصّصت للمسألة اهتمّت بتحليل البلدان النفطية الجديدة – Nigeria,
Indonésie, Mexique الخ... (أنظر Novack [1998]) في نموذج لاقتصاد بقطاعين (قطاع مَحميّ و قطاع مُعرَض ) : ارتفاع
مداخل الصادرات بالعملة الصعبة تؤدّي في الأجل القصير إلى ارتفاع قيمة العملة
الوطنية؛ ارتفاع الإنفاق العام بعد ذلك يؤدّي إلى زيادة أسعار عناصر الإنتاج أو
السلع للقطاع المعرض للمنافسة الدولية، و كذا إلى تضخم. في هذا المنظور، إذ لم يُخفض معدل الصرف لتصحيح
الفرق التضخمي مع الخارج، زيادة الريع بالعملة الصعبة الآتي من المواد الأولية
سيؤثر أثارًا سلبيّا على الصادرات الصناعية المعرضة للمنافسة الدولية.
بمصطلحات اقتصاد السياسي، تجنيد الفائض من طرف الدولة يحوّلها إلى صاحبة
ريع أو تجارة. أين توجد حقيقةً، الدوافع للاستثمار و الضامنات لربحية الاستثمارات
العمومية ؟ كان الكثير يعتقد حينئذ أن الدولة، على خلاف القطاع الخاص الذي ينظر
إلى الأجل القصير، ستكون قادرة على تحقيق أهداف طويلة المدى. في اقتصاد التنمية
الحديث يبقى السؤال مطروح : ما هي المؤسسات (منها الدولة كمنتج للخدمات العمومية)
أو ما هي السياسات (و من ثم الدولة مرة أخرى) التي يمكن أن ترعى على هذا البعد الضروري
للتنمية ؟
في ظرف الحرب الباردة لم يكن للتمويل الخارجي تبرير اقتصادي بل سياسي.
3. العجزين و المساعدة الخارجية.
اعترف النظام الدولي الناتج عن اتفاقيات BRETTON Woods بضرورة المساعدة الخارجية لتلبية حجات
التنمية و إعادة البناء. أنشئ بنك دولي جديد لذلك الغرض (BIRD) و من
أبرز خبراءه Hollis Chenery الذي أرتبط أسمه بنوع من النماذج، نماذج العجزين الذين يُظهرون
دور المساعدة الخارجية في المرحلة الانتقالية [Hollis CHENERY et Alan
STROUT, 1966].
عدم مرونة العرض
الداخلي
انطلاقًا من نموذج Harrod-Domar الذي يقول
أن النمو تابع للاستثمار (قيد الادخار الداخلي)، يقدّم نموذج العجزين فرضية العرض
الغير مرن في الأجل المتوسط، ما يستلزم استيراد سلع و خدمات (قيد العملة الصعبة)
لتحقيق مستوى النمو المنشود.
في هذا الإطار، تستعمل عمليةُ تقييم حاجات التنمية أربعةَ متغيرات: الاستثمار
و الادخار، الصادرات و الإيرادات. إذا
حُدِّد معدل النمو، يمكن تحديد حاجات رؤوس أموال خارجية للاستثمار، باحتساب الميل
الداخلي للادخار و الصادرات.
نماذج ذو عجزين
يُكتب التوازن الكلي للموارد و الاستخدمات في المحاسبة
الوطنية S-I=X-M أي العجز في الادخار الداخلي
(الادخار - الاستثمار) يساوي العجز الخارجي (صادرات- الواردات)؛ تمول المساهمة
الخارجية العجزين.
قيد الادخار
في اقتصاد مغلق
، يرجع معدل النمو المضمون في نموذج Harrod-Domar، إلى معدل الادخار (s) و معامل رأس المال (k) : gw=s/k مع s ثابت
بالنسبة للدخل و k الذي يزيد
بمعدل ثابت.
قيد العملة الصعبة
في اقتصاد
مفتوح، لو كان ممكنًا استبدال كل وحدة من وحدات رأس المال المستورد بلإنتاج داخلي
، لكان معدل النمو المضمون يساوي s/k . و لكن الحال غير ذلك.
كل زيادة في القدرة الإنتاجية Pt تستلزم /1 من وحادات رأس المال المستورد ؛ الاستثمار
برأسمال مستورد يساوي If = (s/bk).Pt
لتمويله يملك
البلد عملة حصل عليها بالصادرات، أي ePt (أي جزء من الإنتاج). يتحقق التوازن عندما e=s/bk و لا يتحقق
إذا كان eb < s/k . في هذا
الحال تقيّد قدرة الاستيراد النمو. بين معدل النمو المضمون من طرف الصادرات (eb) و معدل
النمو المضمون من طرف الادخار (s/k) سيكون المعدل الفعلي يساوي أصغر منهما.
قدرة الاستيعاب
يُدخلChenery و Strout قيد الكفاءات كعنصر إضافي يحدد النمو و يُضاف إلى قيد الادخار.
يمكن للمساهمة الخارجية في شكل مساعدة فنية أن ترخي من تأثيره. و لكن مشكلة
الاستيعاب أشمل و يعني كل الاستثمار المموّل بالادخار الداخلي و الخارجي. القضية
(يتعلق الأمر ب) قضية قدرة فنية و سياسية اجتماعية اهتمّ الاقتصاديون بجانبها
الأول. من زاوية اقتصادية جزئية (مشروع خاص) يمكن تعريفها كالحد الذي تصبح من
وراءه ربحية الاستثمار منعدمة؛ من زاوية اقتصادية كلية تشير إلى قيود على النمو
لنموذج Harrod-Domar (زيادة
معامل رأس المال، تشغيل كامل) التي يمكن أن يُضاف إليها حدود قدرة الاِستِدانة.
يسمح النموذج تحديد حجم المساعدة الخارجية بالنسبة لهدف النمو. تمثّل
المساعدة تقديم ادخار أجنبي يعجّل النمو، يمكن أن تنخفض في المستقبل إذا ارتفع
معدل الادخار الداخلي و استبدل العرض الداخلي الاستيراد (انخفاض ميل للاستيراد)
أو/و زادت الصادرات.
يلاحظ CHENERY ، انطلاقًا
من دراسة عناصر النمو في عيّنة تشمل 31 بلد، أن
البلدان الذين انتهجوا خطة إرادية لرفع القيد الخارجي (معدل نمو الصادرات يفوت
معدل النمو+ انخفاض المعامل الحادي للاستيراد) اقتربوا من نمو مستقل يزداد فيه
إجمالي الناتج القومي بمعدل يساوي حوالي5 %
سنويًا. لا يمكن أن يصل استبدال الواردات
بالإنتاج الداخلي وحده إلى هذه النتيجة. الدور الحاسم للصادرات سيُثبت باستمرار
بعد ذلك: إرخاء القيد الخارجي محسوب على خطة التصنيع المتبنِّية (أنظر الفصل
الثالث).
تمويل خارجي و ادخار داخلي
تناقش في نفس الوقت تأثيرات المساعدات الدولية على بنية الاقتصاد و على
النمو : أي فائدة لأي مصالح ؟ ما هو توزيع المداخل الذي تدفع إليه ؟ رصدت سلسلة من
الدراسات حركة الادخار بداية من نهاية سنوات الستين، لاحظت علاقة سلبية بين
المساعدة الخارجية و الادخار الداخلي، خاصة عند ما يعني الأمر المساعدة العمومية و
أقل من ذلك عند ما يعني الأمر الأموال الخاصة.
في اقتصاديات موجهة للخارج الصادرات تمثل محرك النمو. و لكن ما هو حال
الادخار ؟ عند اقتران نوعين من البلدان –
البلدان المصنّعة الجديدة و بلدان مصدروا المواد الأولية لإفريقيا تحت الصحراء –
نلاحظ أن فيما يخص الآخرين، درجة تغيرات معدلات الادخار من سنة إلى أخرى معتبرة؛
فيما يخص الأوّلين حركة زيادة الادخار ثابتة .
قبل أن نبحث في المراحل الانتقالية للادخار (الفصل الخامس) يمكن القول أن
نموذج Chenery كانت له
أهمية كبيرة في فكر التنمية؛ ما زالت الفكرة أن معدل النمو يخضع للقيد الأقوى
فرضية خصبة تقدم خدمات عديدة حتى الآن. و لكن تعبّر عن المبالغة في تقدير دور عنصر
الاستثمار كمحرك النمو و الدعم المالي الخارجي كشرط مسامح. لأنه يصل وقت يظهر فيه
على كل حال، أن الاستثمار قضية داخلية "capital is made at home" كما يقول R. Nurske. تبيّن
التجربة أن مقولة تمويل التنمية لم توفي بوعودها دائما. و لكن هل تستلزم لذلك
سياسة ترقية الادخار الداخلي رفع القيود على البنوك ؟
4. ترقية سوق رؤوس الأموال
في سياق أطروحات التنمية الملية [Goldsmith, 1969] يقترح R. McKinnon [1973] تحليل
للمرحلة الانتقالية، في اقتصاد مفتوح، يلعب فيها بروز سوق رؤوس الأموال دورًا
أساسيًا في تمويل التنمية و التنمية بذاتها.
الفصل أو التفريق بين الادخار و
الاستثمار
تتميّز الاقتصاديات المتخلفة بتبعثر (تشتت) أسواقها لسلع و عناصر الإنتاج.
و بالتالي لا يعبر نظام الأسعار عن تفضيلات أو المنافع الاجتماعية أو الفردية و لا
على إنتاجية عناصر الإنتاج. يجد هذا الوضع
أصله في الفترة الاستعمارية و نظام حماية الصناعة الذي فرضه. لا تميز بوضوح أنواع
المداخل المختلفة: كثير من المنتجين مدخرون و مستثمرون. يسود التمويل الذاتي في
الاقتصاديات الزراعية : تلعب النقود دورا تكميليا لرأس المال.
ينطلق McKinnon من هذه
الفرضية (تفريق بين الادخار و الاستثمار) لتشكيل دالة لطلب النقود و يدافع عن
ضرورة رفع مردودية الأرصدة النقدية لتفريق بين دالتي الادخار و الاستثمار و إنشاء
سوق مالي حقيقي. تسمح السلطات النقدية وجود هذه المردودية (d-P*) : هي التي تحدد سعر الفائدة d و بالتالي المكافأة الاسمية على الادخار من جهة و معدل التضخم
المتوقع P* بتحديد تغير الكتلة النقدية.
بارتفاع معدل الفائدة للودائع و بانخفاض التضخم و بتحرير عمل السوق المالي الموجود
سيسمح بتطور السوق المالي. سترفع هذه الإجراءات القيود التي كانت تعرقل تراكم رأس
المال.
يعرض McKinnon مثل كوريا
في السنوات الستين كمثل صالح للإتباع. يركز على أن الكفاح ضد التضخم بتشجيع امتلاك
الأرصدة النقدية (رفع سعر الفائدة فوق معدل التضخم) بخلاف التضييق على القروض
سيؤدي في الأجل المتوسط إلى استقرار مالي (تخفيض معدل تضخم) و تعميق مالي (ارتفاع
سريع لمعدل "تنقيد" الاقتصاد (M2/PIB).
و لكن في هذا المثال بالذات لم يطبق الجانبين من السياسة المالية. لم يأتي
التحرير المالي إلاّ عشرين سنة بعد الإصلاح و بصفة جزئية: فيما يخص الجانب الأول
بقيت السياسة الانتقائية للقرض و المعدلات سعر الفائدة المنخفضة هي القاعدة و تحقق
النمو في كوريا بمراقبة شديدة للدولة على النظام المالي. فيما يخص الجانب الثاني،
زاد الادخار المالي بعد ارتفع معدل سعر الفائدة و لكن لا ندري إن كان هو السبب
الوحيد أم لا.
قاعدة التوازن في اقتصاد مفتوح
لنفترض أن هناك سياسات لسعر الفائدة ما هو المستوى الأمثل لسعر الفائدة ؟
في اقتصاد مفتوح سعر التوازن سيكون متناسبا لسعر السواق العالمية؛ في انتظار نهاية
المرحلة الانتقالية يجب على الدولة أن تتبن معدل سعر متغير يتكيف بإنقاص النقود
حسب الفرق في التضخم بين البلدان. يجب أيضا على الدولة أن تمنع التأثيرات التضخمية
التي ستنجر من دخول رؤوس الأموال
الأجنبية.
إذا صار كل شيء على ما يرام، سيزداد الادخار المالي. و لكن ماذا يجري من
جانب الاستثمار ؟ في هذا الطرح يصاحب الانفتاح المالي انفتاحا تجاريا تحررت فيه
التجارة الخارجية تدريجيا و بالكامل في نهاية. السؤال المطروح : هل يوجد في كل
مكان في السوق العالمي حقول للإنتاجية تسمح للربحية أن تكون أكبر من مكافأة
الادخار التي تعرضها الأسواق الدولية لرؤوس الأموال ؟ هل يمكن لأي بلد و في أي وقت
أن يستفيد من هذه الميزة النسبية (avantage comparatif). سنجد من
جديد هذه المسائل مع برامج التعديل الهيكلي (PAS).
ما يمكن الاعتبار الآن، هو أن هناك انزلاق من طرح لأخر، من Lewis إلى McKinnon، من إشكالية
التراكم و النمو إلى تلك الأخرى لتوازنات الأسواق.لم يبقى التضخم كمضرة ضرورية
للمرحلة الانتقالية كي تلبي حاجات التمويل. اندماج الاقتصاديات في الأسواق الدولية
هو الذي تحدد قاعدة التوازن للسياسة الاقتصادية (أنظر الفصل IV).
الفصل الثاني: عقبة التخصص في تصدير
المواد الأولية
في 1949 تنشر منظمة الأمم المتحدة
دراسة تبيّن انخفاض أسعار المواد الأولية بمعدل 40 % نسبة لأسعار
المنتجات الصناعية في التجارة العالمية بين 1876-1880 و 1936-1938. لم يكن التخصص لصالح كل
المنتجين بل لصالح منتجي السلع الصناعية. تعارض تماما هذه النتيجة الإحصائية كل
عروض نظريات التجارة الحرّة.
مع ثبوت هذه الحالة اعتبر بعض الاقتصاديين أن هناك اتجاه
في المدى الطويل إلى تدهور معدلات التبادل للمواد الأولية و شرعوا في شرح
ذلك. أخذت معظم المساهمات اتجاهين:
التثبيت الإحصائي لهذا الاتجاه في المدى الطويل و البحث عن العناصر التي تشرح هذا
الاتجاه. ما سمي بأطروحة Singer-Prebisch كان سببا لنقاش حاد في السنوات
خمسين و ستين: كانت تقدم حججا علمية لمطالب عالم ثالث جديد يريد تقسيم جديد
للثروات على المستوى الدولي.
إضافة إلى تأثيرها السياسي سيبرز من خلال هذا النقاش التيار البنيوي
لأطروحات التبعية الذي ستدور حججه حول فكرة موروث بنيوي للهيمنة الخارجية. عيّن
هذا التيار باسم مدرسة CEPAL
(Commission
économique pour l'Amérique latine, organisme régional des Nations unies).
1. التخصص في إنتاج المواد الأولية
تمثل نظرية David Ricardo [1817] للتكاليف
المقارِنة (coûts
comparatifs) إحدى أجمل
إبداعات علم الاقتصاد. اعتبار أن الPortugal الذي له
تكاليف مطلقة في إنتاج الخمر و القمح أقل من تكاليف Grande-Bretagne، يستحسن له أن يتخصص في إنتاج الخمر لأن نسبة التكاليف بين الخمر
و القمح في اقتصاده المغلق أقل من تلك النسبة في Grande-Bretagne الدولة الاقتصادية العظمى في تلك الفترة، و محاولة إظهار بأنه
سيحصل على فوائد من فتح حدوده، مثله كمثل معامله، كان يعطي لهذه النظرية قوة بسبب
بسطتها بالذات. باستثناء التنازل لصالح F. List (1851)
لصاح
الصناعات الناشئة التي تستحق
حماية مؤقتة، لم يُخالف طِوال قرن و نصف من الفكر الاقتصادي الرسمي الاعتقاد بأن
التخصص الدولي في مصلحة الجميع.
كان تدهور معدلات التبادل يطعن في فكرة أخرى. منذ التقليديون مع Ricardo و Malthus خاصة، كان
يعتقد أن أسعار المواد الأولية في الأجل الطويل تتجه إلى الارتفاع بسبب ندرتها
الطبيعية المتزايدة.
يختلف حسب Raul
Prebisch [1950] و Hans Singer [1950] آثار التقدم
التقني في البلدان الصناعية و المتخلفة على أسعار السلع بسبب طريقة تحديد أسعار
عناصر الإنتاج : عند الأولين هياكل السوق أقل منافسة (تُقتسم الأرباح بين عدد قليل
من المنتجين و لا تنخفض الأجور بسبب قوة المنظمات العمالية) و بالتالي لا تنخفض
الأسعار فيها كما تنخفض الأسعار في البلدان المتخلفة. في الأخير ترتفع التكاليف في
الأجل الطويل.
يضيف Singer فيما يخص الطلب و ضعف مرونة الدخل بالنسبة للمواد الأولية أن طلب
المواد الأولية يزيد بأقل سرعة من الدخل مع التقدم التقني، كما ينخفض استهلاك المواد
الأولية للوحدة الصناعية المنتجة. ضيف إلى ذلك إحلال المواد الطبيعية بالمواد
الصناعية.
ذلك هو الطريق الذي سيتبعونه التقليديون الجدد: إشكالية معدلات النمو إنما
هي مشكلة الطلب: تعاني المواد الأولية بضعف أساسي بالنسبة للمواد الصناعية فيما
يخص الطلب. و الحال ليس أفضل من جانب العرض: رد فعل منتجين المواد الأولية عندما
تنخفض أسعار للدفاع عند دخلهم بزيادة الإنتاج يؤدي إلى انخفاض جديد للأسعار رغم أن
عرض المواد ألأولية غير مرن (الزمن الطبيعي للإنتاج الزراعي، فتح مناجم جديدة،
تأثير تغير الأسعار على الدورة الزراعية المقبلة). تعديل العرض يتطلب وقتا. نتيجة
ذلك تتغير الأسعار حسب تلك الاختلالات. يعتبر الذين لا يؤمنون بتدهور معدلات
التبادل في الأجل الطويل أن ذلك هو مشكل إنتاج المواد الأولية : عدم استقرار
أسعارها.
يرجع هذا "القانون" إلى معطيات إحصائية لا يقبلها Paul Bairoch
[1967, 1997]. يلاحظ أن بين 1876-1880 و 1926-1929 تنخفض تكاليف النقل بحوالي 50 % ما يشرح
وحده انخفاض أسعار c.a.f. للمواد الأولية بنسبة 12
%.
تعرض أغلبية الأعمال الإحصائية الأخرى تدهورا يكون معدله السنوي ما بين 1900 و 1982-1983 يتراوح ما بين -
0,1 % و - 1,7 % [Diakosavvas et Scandizzo, 1991]، تختلف حركة
الأسعار حسب أنواع المنتجات.
تنبه عدد كبير من الدراسات الكمية على أن تدهور أسعار المواد الأولية لا
تحكم سلبا على التخصص الدولي.
ميزة التخصص نظرياً.
بالفعل في النظرية البحتة للتجارة الدولية تتحدد هذه الميزة: 1) بمقارنة
حالة انغلاق و حالة انفتاح و بالتالي ليس لإحصائيات معدلات النمو أي معنى؛ 2) بطريقة
مستقلة عن مكافأة عناصر الإنتاج، من خلال نظرية تكوين الأسعار التقليدية الجديدة.
حسب هذه الأخيرة الإنتاجية الحدية هي التي تحدد مكافأة عناصر الإنتاج (هي الأخرى
خاضعة للندرة النسبية الأولية) و يؤدي الانفتاح إلى تعادلها بين البلدان théorème) Hecksher-Ohlin-Samuelson ). في هذا المنطق نستنبط أسعار العناصر (الوطنية) من أسعار
المنتجات (الدولية): الأجر متغيرة تابعة لسعر المنتَج و دالة لمساهمة عنصر العمل
في الإنتاج (أي الإنتاجية العمل).
فيما تكمن حينئذ ميزة الانفتاح و التخصص ؟ تتكون مجموعة عالمية يقتصد فيها
التبادل الدولي من التكاليف: وحدة من التكاليف تتبادل بكمية أكبر من السلع. يضمن
التبادل الحرّ الفعالية. زاد توزيع الموارد بتغييره من الرفاهية الكلية، و ارتفع
بغض النظر عن توزيع المداخل.
تبنّت النظرية التقليدية الجديدة عرض Ricardo للتكاليف
المقارِنة بالتخلي عن فرضية الأجر كمتغيرة مستقلة (نظرية سعر الإنتاج). في المثال
المشهور: تبادل الخمر و القمح بين البلدين Angleterreو Portugal، تحسب
تكاليف الإنتاج بكميات عمل الوحدة المنتجة. يعتبر العمل كوحدة حساب بسيطة، شاملة و
مشتركة بين البلدين و ليس ك"تكاليف الإنتاج"، أي كجمع بين الأجر و
الربح. إذا اعتبرنا بالعكس أن في كل بلد الأجر مستقل فإنه يصبح المتغيرة المحوارية
لتحديد الأسعار الداخلية و العالمية. يمكن بنظرية أسعار الإنتاج إبراز الخسارة في
التبادل. تمثل نظرية Arghiri
Emmanuel [1969] للتبادل
الغير متكافئ نموذجا لهذا الطرح.
التبادل الغير متكافئ
إن كان العمل غير متنّقل بين
الدول، فعكس ذلك يتنقّل الرأس المال بينها. لذلك يتكوّن معدل الربح عالمي يدخل في
تحديد أسعار السلع. كلّما ارتفع الأجر في بلد ما، انخفض معدل الربح و تحسنت معدلات
التبادل لهذا البلد في الوقت الذي تتدهور في البلدان الأخرى. من ثم و بقدر ما
ازداد فرق الأجور بين البلدان، اختلفت وتيرة التراكم، تسارعت في الاقتصاديات بأجور
مرتفعة و تباطأت في الأخرى. "الثروة تولد الثروة ... و الفقر يولد
الفقر". نبيع بسعر رخيص لأننا فقراء و ليس العكس. الخاتمة السياسية واضحة:
التعارض بين الأمم الثرية و الفقيرة يسبق الصراع بين الطبقات.
أثارت أطروحة التبادل الغير متكافئ نقشات عديدة. ينتقد Charles
Bettelheim فكرة "استغلال" بلد
من طرف بلد آخر. يحاول Paul Samuelson إثبات
الفكرة أن أطروحة التبادل الغير متكافئ لا تطعَن في مزية التخصص الدولي: تُبيّن
النظرية البحتة للتجارة الدولية أن استيراد الرأس المال، شرط تَساوي معدلات الربح،
تخفض سعره (يصبح أكثر وفرة)، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار النسبية لصالح الأجر.
يقول أيضًا أن نقد Emmanuel للتكاليف
المقارِنة غير مؤسس لأنه لا يميز بين الإنتاج قبل و بعد الانفتاح للتبادل [1976]. يقول باستعمال حجة أن التبادل الحر يزيد من المنفعة الكلية ، أن
"في طريق الذي يؤدي إلى القاعدة الذهبية يرتفع فيه الاستهلاك
باستمرار، يجب التخلي عن بعض المواد الاستهلاكية. بمعنى أخرى، لا نحصل على شيء
مجّانا، المنافسة فقط هي التي تضمن بفعالية العملية"[1978].
في الحقيقة لدينا هنا نقاش بين طُرش. كل واحد ينطلق من فرضيات نظرية
مختلفة. لدينا نظريتين أساسيتين للسعر: النظرية التقليدية الجديدة لسعر التوازن
(توازن العرض و الطلب) و نظرية سعر الإنتاج التي تتميز بغرض إظهار أن مستوى
الأسعار ناتج عن صراع في التوزيع بين الربح و الأجر. من هذه الزاوية الثانية،
مستوى الدخل المحصول عليه في الفترة الأولى هو الذي يحدد مستوى التراكم للفترة
الثانية ؛ إذا انخفض الدخل (بسبب تدهور معدلات التبادل) أفقر الاقتصاد. مع
المقاربة التقليدية الجديدة الفترات ليست متسلسلة. التبادل حكاية تعيد نفسها
باستمرار انطلاقا من توزيع بدائي لعناصر الإنتاج و لا تهم بالضرورة معرفة إن كانت
عادلة أم لا.
بتقديم أطروحة تدهور معدلات التبادل لم يكن في بال خبراء الأمم المتحدة
نقاش نظري حول الأسعار بل مراهنة الدخل الوطني و من ثم التنمية، من طرف تخصص
الإنتاج في المواد الأولية.
2. التبعية و الهيمنة الخارجية
عراقيل النمو
التقرير المشهور الذي قدّمه Raoul Prebisch الذي ترأس
الCNUCED الأولى سنة 1964، تلخص
أبحاثه الشخصية و فكرة اقتصاديين الCEPAL. العرقلة
الأساسية للنمو في أميركا لاتينية
تكمن في اندماجها السيئ في الاقتصاد
الدولي. أدى التخصص في القطاع الأولي إلى عدة عراقيل :
- يُنقص الدخل الوطني من طرف تدهور معدلات التبادل و بإعادة أرباح الشريكات
الأجنبية التي تستغل المواد الولية إلى أوطانها؛
- عندما يتصنع البلد يجب عليه استيراد الأجهزة و المواد النصف-المصنعة.
تدهور الأسعار في التصدير لا يمكن تعويضه من خلال زيادة في العرض: أما لأن البلدان
لا يملكون السيطرة على الكميات المنتجة (فيما يخص المحروقات و المناجم)، أما لأن
الملكية الزراعية لا تسمح مرونة عرض المنتوج. ضعف العرض الزراعي يحدد أيضا من وفرة
مواد التغذية عند أجراء المدن ما يدفع إلى استيرادها.
- إذا أضفنا إلى مجموعة هذه القيود على ميزان المدفوعات، التبعية
التكنولوجية التي ظهرت جرّاء عملية
التصنيع، و تركيز المداخل الذي يغذي تيار
من استيراد المواد الكمالية لا يخدم التنمية، و أخيرا و ليس أقل شأن، إذا ذكرنا
بوجود قطاعين يقسمان كل قطاعات النشاط الاقتصادي، لدينا تشكيلة المعطيات البنيوية
التي تصطدم عليها الاقتصاديات التي تميّزت بتخصص في القطاع الأولي.
لا يمكن التأثير على العجز الخارجي بإنقاص قيمة النقود، لابدّ من إصلاحات
هيكلية مثل إصلاح زراعي و إعادة التوزيع المداخل تصاحب تصنيع إيرادي. الجدل بين الFMI و البنياوين يحصل على
مكان هام في فكر التنمية للسنوات ستين و سبعين.
إمبيريالية و عالم
ثالث
من قول أولوية التبعيات الخارجية إلى نظريات الإمبريالية الفرق ليس كبير.
تعطي فكرة Nicholas Boukharine و Lénine لتكوين اقتصاد عالمي في نهاية القرن XIX متميز
بتصدير رؤوس أموال و مستقطب من طرف مركز يسيطر على محيط، أسباب التوسُّع
الأمبراطورى و التخصص التاريخي للبلدان المسيطر عليها.
مع كتاب "نهب العالم الثالث" يعبر Pierre Jalée على فكرة مشتركة : تذهب الإمبيريالية إلى العالم الثالث للحصول
على المواد الأولية. يقترح Samir Amin [1970] و André Gunder
Frank [1969] صورة شاملة للتطور التاريخي
للرأسمالية و المكان الذي يأخذ فيه محيطه. يحاول الأول شرح إدماج اقتصاديات
المتخلفة في تاريخ للتراكم على مستوى الدولي، بنقل القيمة بين أساليب إنتاج مخلفة
لصالح "المركز"، حسب منطق غير متكافئ. الثاني، من خلال مقولة المشهورة
"تنمية التخلف" يعرض الرأسمالية كنظام مندمج من خلال السوق و مهيكل على
المستوى الدولي في شكل عواصم و توابع (métropoles et satellites). لا شيء
ينجو من العلاقات الرأسمالية: في القطاع التقليدي، التجار الذين يستولون على فائض
إنتاج الفلاحين يخضعون، هم الآخرين على مستوي أعلى، إلى استغلال رأسماليين، و
الفائض يصعد طول السلسلة الإمبريالية.
ستؤدي تلك المقاربات إلى ذوبان (انحلال) العالم الثالث في الاقتصاد
العالمي. التفكير الذي يظهر في السنوات سبعين حول العولمة بوسيطة الشركات المتعددة
الجنسيات ستدعم هذا الاتجاه. رغم أن أطروحة Alain Lipietz ل"لانتشار العالمي للفوردية" تركز على نوعية المعطيات
الاقتصادية من بلد إلى آخر فإنها تنتسب إلى نفس المرجعية.
خلاصة الأمر، أطروحة تدهور معدلات التبادل المنتجات الأولية أدمج في تحليل
أوسع للتبعية البنيوية الخارجية. بعد ذلك لم يحصل موضوع سوق المواد الأولية نفس
الاهتمام مع تدويل الإنتاج الصناعي، و في السنوات التسعين سينظر إليه من خلال
الشمولية المالية (globalisation
financière).
في تحليل التنمية طرحت على الأقل ثلاثة أسئلة : الأولى تخص المنهج
الاستقرائي الذي تعتمد عليه – الوصول إلى قانون عام من خلال الملاحظة الإحصائية؛
الثانية تخص نظريات الأسعار و الأجور في الاقتصاد المتخلف؛ الثالثة تخص الاختيار
بين التبادل الحر و حماية التجارة التي تثيرها النزاعات حول ميزة التخصص الدولي.
كوّنت في الماضي هذه الأطروحة رأس للمعركة حول تعريف النظام الاقتصادي
الدولي الجديد. قبل أن ترفع أسعار المحروقات سنة 1973 طلبت منظمة
الOPEP أن يرتبط سعر المحروقات بسعر المنتجات الصناعية. آية استقرار
إيرادات التصدير للإتحاد الأوروبي في إطار اتفاق Lomé كان أيضا نتيجة تعديل العلاقات الشمالية الجنوبية يهدف إلى تقليص
أثار قوانين السوق لتجارة المواد الأولية على دخل البلدان المصدرة.
و لكن أخفقت هذه المحاولة منذ السنوات الثمانين مع تدهور أسعار هذه المواد
بحوالي 30 %، مع تحرير
بعض فروع الصناعة و فشل اتفاقيات الدولية حول المواد الأولية. من ذلك الوقت أصبحت
المواد الأولية تعرف عدم الاستقرار و تخضع للمضاربات في الأسواق العالمية المالية.
في السنة 1998 و بعد إنزال
الأسعار مع الأزمة الأسيوية و حجم الكميات، سقط نصيب المواد الأولية في التجارة
العالمية (بما فيها المحروقات) إلى 20 % ؛ فيما يخص
القطر الإفريقي و صل تدهور معدلات التبادل إلى 10 % في سنة
واحدة، مع تقليص الدخل ب2.6 % [CNUCED
1999]. تبقى قضية المواد الأولية قيد
على النمو، خاصة في البلدان اقل تقدم، ودالة عن طبيعة النظام الاقتصادي
الدولي.
III. التنموية. النمو الإرادي
و خطط التصنيع
تشكّل الفكر
التنموي بعد الحرب العالمية الثانية، متّخذًا مراجعه من التاريخ الاقتصادي للبلدان
المصنعة. البحث عن طرق و وسائل في التصنيع المتأخر قد سبقت إليه بلدان مثل
ألمانية، اليابان أو روسيا. أدمج الفكر التنموي، إضافة إلى الشكل التحليلي (paradigme ) للتحديث،
عنصرين هامين: فكرة أن نموا سريعا لا يمكن أن يأتي إلا من خلال نمو النشطات
الصناعية، و الأخرى االتي تتمثل في فكرة الإرادية، النابعة عن قومية سياسية معلنة
أم لا، تعتمد على كل حال على تدخل الدولة
فيما يخص توزيع الموارد هدفها تصحيح قوانين السوق التي أدّت إلى توزيع غير عادل للصناعة عبر العالم. ستكون الخطط
الصناعية التي طُبّقت في بلدان الجنوب، بين السنوات خمسين و سبعين، في كل مرة
راهنة لظروف معينة: تقدّم التجربة المكتسبة اليوم، من المحاولات الناجحة إلى
الأخرى الفاشلة، مادة مهمة لاستخلاص نتائج علمية. سنأخذ بعين الاعتبار بداية، بروز
البلدان الصناعية الجديدة في الفترة الأولى التي تنتهي مع أزمة المديونية لسنة 1982.
تعني إعادة رسم
تفاصيل هذه التجربة المعاصرة للنمو الاقتصادي قبل كل شيء، إعادة النظر في الفرق
الأولي بين التصميم النظري و هدف التنمية من مرحلتها البدائية إلى غايتها التي
تتتمثل في نمو مستقل. تعني أيضا التذكير بمدى ارتباط قضية التنمية بإعداد نظريات
النمو. فس محاضرة ألقاها ب
Stockholmفي سنة 1987، يشرح Robert
Solow، أن تفكيره الذي وصل إلى
النموذج المشهور لنمو التقليدي الجديد [1956]، أنطلق من Harrod Domar و Lewis. لم تقتنعه فكرة أن الانتقال من نمو بطيء إلى نمو سريع تعتمد على زيادة مستقرة لمعدل
الادخار. كان يعتقد أن استعمال دالة للإنتاج تعكس اختيار ما بين تركبات مختلفة من
عناصر الإنتاج، أما كثيفة الرأس المال أو كثيفة العمل، أقرب إلى الحقيقة.
إن غذى اقتصاد
التنمية تفكير منظرين النمو، من جهتها، أثّرت نظرية النمو على إشكالية التنمية في
جانبها الضيق، الخاص بالتغيرات الكمية. إنه من الصعب رسم الحدود بين نماذج التنمية
و نماذج النمو، و لو أن الأخيرة تأخذ من الأولى فرضياتها الأساسية. يجب رغم ذلك
تحديد بعض المعايير تميز بين الأولى و الأخرى. فيما يخص نماذج المرحلة الأولى يمكن
الأخذ بمعيارين : 1) التغيير ما بين القطاعات في المرحلة الانتقالية، و على
رأسه، الذي يخص الارتباط بين الزراعة و الصناعة.
2) الوجهة
النظر الاختيارية، باختياراتها المسبّقة، تنطلق منها خطط التنمية، خاصة في ما يخص
تقنيات الإنتاج و توزيع الاستثمارات بين القطاعات.
1. النماذج النمو
التصاميم النظرية
التقليدية
تختلف النماذج
حسب التيارات النظرية. تسعى هذه النماذج إلى إبراز القيود التي تحكم عملية النمو
نظرا لمقدماتها الأولية. فلنأخذ لتبسيط، اقتصادًا ينتج سلعةً واحدة، تُستهلك و
تُستثمر بعنصرين للإنتاج، رأس المال و عمل، و الإنتاج يكون بعوائد ثابتة. لنترك من
جانب التعقيدات التي تُدخلها التجارة الدولية، التطور التقني، التضخم و تدخل
الدولة. الاقتصاد رأسمالي بطبقتين : العمال الذين يستهلكون و الرأسماليون الذين
يستثمرون جزءا s من دخلهم. إن أمكن استهلاك أو استثمار الإنتاج الكلي
يمكن الكتابة: 1 =
C a0 + g (K/X) أين C يمثل
استهلاك الفردي للعامل و a0 نسبة ثابتة بين العمل و الناتج، X مستوى الإنتاج، K مخزون رأس
المال و g معدل نموه. الدخل ينقسم كما يلي :
1 = (W/P)a0
+ r (K/X)
أين W/P يمثل معدل
الأجر النقدي، P المستوى العام للأسعار، و r معدل الربح.
إذا عملنا
بفرضية أن K/X أكبر من المعامل التقني المطلوب لرأس المال a1 ، هذا يعني أن هناك وجود فائض في القدرة الإنتاجية.
تلزم المساواة
بين الادخار و الاستثمار أن يكون g = sr.. ليس لهذا
النموذج حل لأن عدد المتغيرات (C, g, W/P, r et K/X)يفوق عدد المعادلات. يُدخل كل تيار نظري فرضيات إضافية
حول النمو:
- يفترض النموذج
التقليدي الجديد التشغيل الكامل، ما يعني أن g تحددها
معطاة (بارا متر) خارجية n، تمثل معدل نمو عدد السكان و ما يعني أيضا استعمال كامل للقدرة
الإنتاجية المُعِدّة ، أي K/X
= a1.
- يفترض
النموذج التقليدي الماركسي أيضًا أن عرض العمل محدود من طرف نمو عدد السكان و
التشغيل الكامل. الفرضية المركزية أن الأجر W/P يُحدّد خارج
النموذج. تراكم راس المال دالة للادخار هو الأخر دالة لتوزيع الدخل.
- نموذج كمبريج
: إذا أدخلنا فريضة أن المجموعتان (الرأسماليين و العمال) تدّخر، تبين معادلة Nicholas Kaldor أن لمعدل
ادخار ما، ستتغير نسبة الأرباح في الدخل و ميل ادخار الرأسماليين في اتجاه معاكس
(إذا ما قلّ ادخارهم، زادت نسبتهم في الدخل). إذا استُعملت القدرة الكاملة
للاقتصاد، كل محاولة للاستهلاك أكثر و الادخار أقل من طرف الرأسماليين ستؤدي إلى
ارتفاع الأسعار و بالتالي إلى انخفاض الأجر الحقيقي و إعادة توزيع الدخل لصالح
الأرباح.
- يُدخل
النموذج الكينزي (Harrod-Domar) دالة للنمو مرغوبة فيها من الشكل g = sr ، تفترض
استغلال تام للقدرة الإنتاجية و التشغيل الغير كامل؛ النمو محدود من طرف رأس المال
و لكن معدله يرجع أكثر إلى الطلب مما يكون
إلى الادخار المتاح.
يُدخل Kalecki (1971) معادلة
للسعر P = a0W(
1 + z) أين z تمثل هامش
يُحدد حسب دراجة الاحتكار، و معادلة لنمو مرغوب فيه : g = g (r, X/K) . تحدد
المؤسسات الأسعار (أو الأجور) تُبقي على قدرة فائضة لتعديل بين الإنتاج و الطلب؛
استغلال أكبر للقدرة الإنتاجية ستجبرهم على الاستثمار بمعدل أكبر. يلعب النمو المرغوب فيه و الطلب في هذا النموذج
دورا حاسما. يكون توزيع غير عادل للدخل مصدر نقص في الطلب و من ثم انخفاض معدل
النمو.
مقاربة ما بين القطاعات
أ) ترابط
الزراعة و الصناعة. مشكّلة من طرف J.C.H. Fei et G. Ranis [1964] انطلاقا من
أطروحة Lewis، أعيد استخدمها في نماذج توازن التقليديين الجدد مثل نماذج D.W. Jorgenson [1967] و M.P.
Todaro [1969]، أو الكينيزيين [Lance Taylor, 1983].
· كما كان الحال عند Lewis، في البداية هناك الزراعة.
ننتج بمخزون معين من العمل و الأرض، الغلال متناقصة، و المنتجون يحصلون على ناتج
متوسط ثابت. حسب Jorgenson لا يمكن للصناعة أن
تتطور
إلاّ إذا أصبحت اليد العاملة فائضة نتيجة ظهور فائض زراعي. تسريح اليد العاملة
الزراعية لصالح الصناعة يرجع بالتالي إلى نمو فائض الإنتاج الزراعي، الذي يسببه
الأثر المشتركة لنمو عدد السكان (أثر سلبي لأن على الزراعة تغذية عدد أكبر من
الأفواه)، التقدم التقني (أثر إيجابي) الذي يقلص من أثر الأغلال المتناقصة. إذا
كان معدل نمو عدد السكان ناقص مقارنة لمعدل التقدم التقني في الزراعة، يتحقق شرط
ظهور فائض إنتاج زراعي (و من ثم للتصنيع). بعد ذلك، يؤدي النمو التفاضلي للقطاعين
(قانون الغلة المتناقصة في الزراعة و الثابتة في الصناعة) إلى نقص ممكن في
العرض بالنسبة لطلب المواد الغذائية؛ يمكن
أن تتفاقم هذه الندرة مع الهجرة الريفية بسبب فرق الأجور بين القطاعين.
· يدخل تحليل Michael Todaro في هذا
الاتجاه. تكمن أهمية نموذجه في أخذه بعين اعتبار ارتفاع البطالة في المدن الذي ظهر
في السنوات الستين و في أغلب بلدان إفريقيا و أميركا لاتينية. تتعلق الفرضية
الأساسية بقرار الهجرة من الريف إلى المدينة. سيُتّخذ القرار نظرا لحساب المهاجر
للدخل الصافي المنتظر من العمل في المدينة. يحدد عنصران هذا القرار: الأول يكمن في
وجود فرق إيجابي في الأجور لصالح المدينة فيما يخص نفس الكفاءة. الثاني في
احتمالات حصول على عمل في المدينة. يناسب
هذا الأخير، في كل فترة، معدل مناصب الشغل الجديدة بالنسبة لعدد طلبات العمل. كلما
ارتفعت الاحتمالات، زاد فرق الأجور، كلما انخفضت تكاليف الهجرة، أصبحت القيمة
الحالية للدخل المستقبلي المنتظر كبيرة.
إذا أدخلنا هذا
الحساب الاقتصادي الجزئي للمهاجرين في نموذج توازن، ستكون احتمالات وجود عمل دالة
لحالة سوق العمل : تزداد مع إنشاء مناصب شغل جديدة مدنية و تنخفض مع زيادة البطالة
المدنية الكائنة. من جانب مناصب الشغل الجديدة يأخذ النموذج بعين الاعتبار دالة
لطلب العمل تدخل في إطارها متغيرتان: الأجر (كلما كان الأجر ضعيف كلما زاد توظيف
المؤسسات) و برامج تشغيل الدولة لمكافحة البطالة. يسمح هذا النموذج تحديد الحد
الذي يصبح بعد ذلك عرض العمل فائضا.
· تُحتسب هذه
النماذج من جهة عرض عناصر الإنتاج. أين يوجد الطلب لهذا الإنتاج الصناعي الحضري ؟
تسمح المقاربة من خلال الأسواق المترابطة أين يتبادل إنتاج كل قطاع الأخذ بعين
الاعتبار الطلب المتبادل للصناعة و الزراعة. يميز Taylor من جهة
قطاعا صناعيا أين الأسعار أسعار إنتاج و أين الإنتاج يحدده الطلب و القطاع الزراعي
من جهة أخرى أين الأسعار مرنة (دالة للعرض و الطلب). في الأجل القصير، باحتساب
مخزون رأس المال معين و معدل أجر معين، سيتغير الإنتاج الصناعي و الأسعار الزراعية
حتى يتحقق التوازن. كل استثمار مستقل يزيد في طلب المواد الغذائية و معدلات تبادل
سلع زراعية/سلع صناعية و زيادة في العرض الزراعي (محصول جيد مثلا) يخفض من أسعار
الزراعة و يزيد في إنتاج الصناعة برفع الطلب عليه. يفترض هذا النموذج اندماجا تاما
من خلال السوق لمنتجات الصناعة و الزراعة.
· مدى قدرة الشرح لكل واحد
من هذه النماذج معتبر و لكن يبقى جزئيا. يشتركان في فضل تحليل ارتباط قطاعي مهمّ
في المرحلة الانتقالية. و لكن يتبعان لرؤية قديمة للعلاقات بين الزراعة و الصناعة،
الأرياف و المدن. تستحق التجارب الأسيوية للتصنيع الريفي التي أدخلت اختلاط
الأنشطة في البيوت الريفية، أو أيضا في هذه الأخيرة الجمع بين عائدات الهجرة و
الزراعة الذي حصل في اقتصاديات جنوب أوروبا (Espagne,
Portugal)، أكثر اهتمام فيما يخص مُستتبعاتها النظرية. عكس ذلك يمكن تحليل
تجربة الثورة الخضراء في الهند، اندونيسيا أو تايوان، بعد اليابان، انطلاقا من
نموذج Jorgenson : غيّرت بذور جديدة بمردودية
مرتفعة و طرق زراعية جديدة (إدخال تكنولوجية خارجية) نسبة النمو بين المردودية
الزراعية و النمو عدد السكان. و لكن أمكن أن يختلف ما أنتُظر مما تحقق في بعض
الأحيان و يجب تحليل ذلك حالة بحالة.
ب) سلع
استهلاكية (C)/ سلع استثمارية (I) . لكي ينمو أكثر يجب على الاقتصاد أن يدخر أكثر و ليس فحسب، و لكن
أيضا أن ينتج السلع الاستثمارية الضرورية. أعاد P.C. Mahalanobis استعمال
النموذج السوفيتي الذي يفضل الاستثمار في الصناعات الثقيلة عند تحضير المخطط
الخماسي الثاني للهند (1953-1957). إضافة إلى نوع التخطيط، يوزع هذا النموذج من نوع Harrod-Domar الاستثمار لصالح قطاع السلع الاستثمارية مما
يؤدي إلى ندرة سلع الاستهلاك. المنتظر أن تسمح هذه التضحية معدل نمو أكبر في الأجل
القصير.
2. خطط التصنيع
نميّز عادة ما
بين ثلاثة استراتيجيات : بإحلال الواردات، بالصناعات المصنّعة و بإحلال
الصادرات. مبدئيا، الأولى و الثانية
موجّهة نحو الأسواق الداخلية، و الأخيرة في اتجاه الأسواق الخارجية.
·
التصنيع لإحلال الواردات. Celso Furtado الذي ينتمي إلي مدرسة CEPAL الأميركية اللاتينية يقدم حجج تلك السياسة التي تعتمد على 1. توسيع السوق الداخلي و يساهم في ذلك إعادة توزيع للدخل و إصلاح
زراعي. 2. بناء أسواق
جهاوية مشتركة، خاصة ما بين اقتصاديات صغيرة الحجم. 3. اعتماد
نظام الحماية بالحصص، بالرسوم الجُمركيّة و معدلات صرف متعددة لكي يكون الاستيراد
حسب حاجات التصنيع الأولية. 4. مساهمات
مالية خارجية تخضع للمراقبة (انفتاح انتقائي للاستثمار الأجنبي و إجراءات تمنع
خروج أرباحه). 5. دعم تمويل
الاستثمار (معدلات منخفضة، سياسة ميزانية ناشطة).
ما تفترضه هذه
الإستراتيجية هو أنه يوجد طلب احتمالي كاف بالنسبة للصناعة الصعيد و أن العرض
سيَتبع. يكفي أن يعوّض الإنتاج المحلي الواردات. و لكن ليس من المتأكد أنه يكفي
حماية السوق الداخلي لكي يستجيب العرض، لكي تتحول الرسوم الجُمركية إلى زيادة في
رأس المال الفردي أو إلى كفاءات مطلوبة أو إلى قيادات صناعية: في بلدان عديدة ظهرت
شروط العرض أصعب من شروط الطلب.
·
الصناعات المصنّعة. بناء صناعة من الأعلى لا يكوّن في ذاته تصنيعا عن طريق
إحلال الواردات لأنها لا تفترض أن السلع التي ستنتج كانت مستهلكة و مستوردة من
قبل. هذه الإستراتيجية التي تستند إلى التجربة السوفيتية هدفها تحويل أساليب
الإنتاج الموجودة بتبنّي رأسمالية الدولة. اقترحها Baran في امتداد تحليله عن الفائض (الفصل الثاني). ألهمت اختيارات الهند
في سنوات الخمسين و تُعرف في فرنسا و الجزائر
تحت تسمية الصناعات المصنّعة (« industries industrialisantes » [Destanne
de Bernis, 1966]).
(ما يُنتظر
من خلال هذا النموذج هو تركيز ذاتي للقطاعات (autocentrage inter-sectoriel) أكثر من تركيز
ذاتي للصناعات كما كان الحال في المثل السابق. بالفعل، في المرحلة الانتقالية، يجب
على الزراعة أن تقدم بالإضافة إلى الأدوار التقليدية (تمويل باليد العاملة و
المواد الغذائية) منفذا للصناعة من خلال استعمال الآلات. هذه الأخيرة تقدّم
للزراعة آلات، خدمات أساسية (كهرباء، الري) و مواد كيميائية (أسمدة). في مرحلة
ثانية بفضل آثار الجرّ المنتظرة، سيُوجَّه الاستثمار نحو الصناعات تحويلية المنتجة
للسلع الاستهلاكية. تُقلب هنا الحلقة التاريخية لخطة التصنيع عن طريق إحلال
الواردات.
تقدم خطة
التصنيع الثقيلة عند تطبيقها في اقتصاديات مختلفة مجالاً مفيدًا للمقارنة. اتخذ
الارتباط بين الصناعة و الزراعة مجرى مختلفا في الهند و الصين. بانطلاق مشترك و
تحت تأثير تصور اسطاليني ، تختلف الخطتين بدآ من "القفزة الكبيرة إلى
الأمام" (الثور الثقافية) في الصين : يتجسد الشعار "المشي على
القدمين" بانتشار الوحدات الصناعية على كل التراب الوطني و لو كانت النتائج
جدُّ متضاربة حسب الصناعات في مرحلة أولى و تظهر من خلفها تدريجيا علامات مجاعة
قادمة. أما فيما يخصّ الجزائر تماشى نشؤ الصناعات مع تراجع الزراعة و مع بروز آثر
إقصاء على تراكم رأس المال الراجع إلى منطق اقتصاد الريع. )
·
التصنيع بتشجيع أو ترويج الصادرات.
تتمثل طريقة التصنيع الثالثة في تعويض الصادرات التقليدية (مواد أولية) بصادرات
جديدة مثل المواد الأولية المحوّلة، السلع نصف المصنّعة و المصنّعة. تكمن القضية
في استخدام المزية المقارنة فيما يخص الثروات الطبيعية، تكلفة اليد العاملة، المساحة الخ. أتُّبعت هذه السياسة من طرف عدد
كبير من الدول و لكن لم يفلح إلاّ القليل. و لكن عند النجاح كانت النتائج مذهلة و
لو ارتبطت بظروف مختلفة. كوريا جنوبية الفقيرة من المواد الأولية لم تعتمد كثيرا
عى إحلال الصادرات. يرجع نجاح خطتها إلى تحكمها في عملية التصنيع ككل و خاصة في
جوانبها التكنولوجي و المالي. أما البرازيل اتبع أكثر خطة إحلال الصادرات (خفض
نسبة القهوة) بتوسيع الدائرة الزراعية بإدخال زراعة جديدة (le soja) التي لعبت
دور الجر في صناعة الآلات الزراعية و بتحويل صناعتها لإحلال الواردات إلى صناعات
التصدير.
أتبع المكسيك
أساليب متشابهة و لكن في ظروف مختلفة. لعب استغلال الجديد للمحروقات دور تنويع الصادرات،
بدون التأثيرات الصناعية لل(soja). و كان هذا البلد طرفا في إعادة هيكلة صناعة شمال أمريكا (في مركز
sous-traitance على الحدود) بدايةً. تنوّع و تعمّق ذلك التصنيع تدريجيا، مُبرِزًا
في المنطقة الشمالية للبلاد تحولات اقتصادية و اجتماعية عميقة. أثبت انخراط
المكسيك في المنظمة الجهوية ALENA اندماجه.
IV. التعديل الهيكلي
يمثل صندوق
النقد الدُّوَلي "تعاونية" للبنوك المركزية. تودع هته البنوك جزءا من
احتياطي صرفها و قليلا من نقودها الوطنية (حصّتها) مقابل ما تحصل على حقوق سحب
آلية و متناسبة لتلك الحصّة، أو مشروطة إن كانت تفوق تلك الحصة فتحدد في إطار
اتفاقيات مبرمة حالة بحالة (accords stand-by ou de
confirmation).
يشمل الاتفاق
المبرم برنامجَ استقرار يجب تحقيقه في الأجل القصير، هدفُه تقليص العجز الخارجي.
أدّت صعوبة تلك المهمة (التغلب على العجز) إلى توسيع المشروطية التي أصبحت تتضمن
إصلاحات هيكلية في مجال أساليب التسيير و التنظيم الاقتصادي. من ثم أصبحت سياسات
التعديل الهيكلي تشمل نوعين من الإصلاحات -
استقرار مالي و إصلاحات هيكلية. عرفت تلك السياسات مع نهاية عشرية السبعينات
تطورا هامًّا.
مقاربة
صندوق نقد الدولي
يتحدد مضمون
سياسات التعديل نظرًا لطبيعة العجز التي تعانيه الميزانية الخارجية. تُعتبر مقاربة
مشاكل الميزانية الخارجية عند مصالح الصندوق مقاربة نقدية.
تهدف أقسام
السياسة إلى توازن ميزانية المدفوعات، تطهير المالية العامة و التحكم في التضخم.
تعتمد على أدوات السياسة النقدية و المالية :
·
تقليص عرض النقود. لذلك الغرض يجب بالنسبة للقرض تحديد الاعتماد (تعيين
السُّلف المعطاة للمصارف للحد من التضخم). الهدف منها تقليص الطلب الإجمالي و
التأثير على مستوى الأسعار الداخلية الذي تحدده كمية النقود بافتراض. يجب على
الدولة، لنفس الأسباب، أن تخفض من عجز ميزانيتها خاصة عندما يتعلق الأمر بلوحة
السحب. يأخذ هذا الإجراء مكانا مركزيا في البرامج المالية.
على الحكومات
أن تجد الطرق الكفيلة لتقليص عجز الميزانية. سيكون انخفاض الإنفاق العام معتبر
بقدر ما ستكون إمكانيات زيادة الضرائب قليلة. ستُحدِّد إجراءات الخوصصة، عندما
توجد في برنامج التعديل المبرم مع الصندوق، الاتجاه الأساسي للتطهير المالي :
إلغاء الإعانات، جمد أجور الموظفين و تحديد عددهم، و خوصصة.
·
إنقاص النقود. يُعتبر إنقاص النقود إجراء بتَمَدُّد مضاعف((mesure à double détente : إنه مُصلح بما أنه يستطيع امتصاص خسارة التنافسية الماضية
للاقتصاد الوطني و يجب عليه بعد ذلك أن يبعث حركة إعادة التوازن.
يُنتظر من
إنقاص النقود أن يكون له آثارا على الأسعار و آثارا على الدخل. له آثار انكماشي
نتيجة انخفاض الدخل لأن أسعار الواردات بالنقود الوطنية ترتفع ما يزيد من المستوى
العام للأسعار. تملك أيضا بالتوازي آثارا على تنافسية الأسعار (effet-prix
de compétitivité) من خلال
نوعين للطلب: الطلب الأجنبي على الصادرات الوطنية و الطلب الوطني على الواردات
الأجنبية. سيُعاد توازن الميزان التجاري حسب ردود فعل هذين الطلبين.
·
بطلب منشِّطا العرض، يجب أن يزداد الإنتاج المعرّض للمنافسة الدولية في
الأجل المتوسط (الوقت اللازم لتحقيق الاستثمار الضروري). يكوّن هذا النمو إشكالية
كبيرة (عدم مرونة العرض).
إجماع
واشنطن
تُنسب هذه
العبارة إلى John Williamson [1990] الذي أحصى عشرة إجراءات في مشروطية المطبّقة من طرف البنك العالمي
و الصندوق الدولي. يبقي هذا الجرد صحيحا و يُعبِّر عن إجماع حكومات مجموعة 7 في
هذه المنظمات، و منظمات التجارة الدولية و التعاون الاقتصادي و التنمية (OMC, OCDE). تتمثل تلك
السياسات فيما يلي:
.1 عجز للميزانية
لا يفوق1 أو 2 % .
2 . فيما يخص الإنفاق العام أ) التخلي عن الإعانات.
إنها مرفوضة مبدئيا لأنها تحرّف تخصيص الموارد؛ ب) تُعتبر التربية و الصحة استثمار
بشري، يمكن أن تستثمر فيه دولة شريطة أن يخدم هدف الإنصاف (دعم الفئات المحرومة).
ج) ترقية الاستثمار في البنية التحتية الاقتصادية.
3 . يجب على
النظام الضريبي أن يوّسع قاعدته و أن يكون معتدلا في اقتطاعاته.
4 . يجب أن
تُحدد معدلات الفائدة من طرف السوق و أن تكون موجبة بالنسبة للدخل الحقيقي، إن
كانت محددة قانونا، لكي يُشجّع الادخار و ليس هجرة رؤوس الأموال.
5 . معدلات
الصرف: تُحدد أيضًا من طرف السوق، يكمن النظام المثالي في معدلات مرنة، و يكون
النظام الإداري المُفضّل الذي يدعم التنافسية و يسمح بقاء العجز على مستوى مقبول
(أي يمكن تمويله).
6 . سياسية
تجارية: الانفتاح بتحرير الاستيراد. رفع القيود الكمية على الواردات. يجب أن يكون
التسعير الجُمرُكية معتدل و متساو (من10 %
إلى20% ).
7 . رفع
الحواجز أمام الاستثمار الأجنبي
8 . تُُبرر
الخوصصة بآثارها الايجابي على الضرائب في الأجل القصير و باسم التسيير الفعال.
9 . عدم
التنظيم : إلغاء التشريعات على الاستثمار، الأسعار، القرض إلخ التي تُعتبر مصادر
الفساد و الرشوة.
10 . يجب أن
تُحدّد حقوق الملكية بوضوح و أن يُقام بحمايتها.
ما تغير في هذا
الإجماع يتعلق بالنظام المرجعي لمعدلات الصرف و بتوسيع التحرير القطاع المالي لكل
أنواع رؤوس الأموال. يدخل أيضا في الأجندة الكفاح ضد الفقر و تُضاف للنقطة 10
قضايا مؤسستية : محاسبة شفافة للشركات و البنوك، نظام قضائي قوي وتشريعات حول
الإفلاس و حماية الدائنين.
Williamson
J [1990) « What Washington Means by Policy Reform ", in Williamson J.,
éd., Latin American Adjustment: How Much Has Happened ? Washington , DC ,
Institute for International Economics, p. 7-20
[1] ..."après
avoir évolué parallèlement pendant des décennies, les indicateurs de croissance
et de bien-être social divergent depuis les années 80 "Perret 2002