تحاول قطر لعب دور ريادي على المستوى الإقليمي والعالمي من خلال الوساطات وجملة الاستثمارات المتعددة. محمد عمار، خبير اقتصادي، يتحدث عن دوافع وخطط قطر لتكون قاطرة دول الخليج في هذه الفترة.
تسعى قطر إلى لعب دور ريادي و هي اليوم تعلن رغبتها في الاستثمار في مصرف " ديكسيا" بالتجزئة و إدارة الأصول وهو فرع في لوكسمبورغ. في أي إطار يمكن تصنيف هذا الاستثمار ؟
في الفترة الأخيرة لاحظنا أن لدى قطر توجهات كبرى للاستثمار
في أكثر من مجال. قبل أزمة 2009 ، كان النظر إلى الصناديق السيادية بصفة
عامة و إلى الأموال الخليجية بصفة خاصة على أنها لا تتمتع بالشفافية
الكافية. لكن الأزمة المالية الحالية خلقت نوعا جديدا من الاستثمارات خاصة
الاستثمارات الغربية التي توجهت نحو بلدان الخليج نظرا لتوفر السيولة
وتراكم الأموال لديها بعد ارتفاع أسعار النفط و الغاز في الأسواق العالمية.
كل هذا جرّ دولة قطر إلى الانقضاض على الفرص المتاحة لها لأن الأزمة مرت
من مرحلة أزمة مالية إلى مرحلة أزمة اقتصادية شاملة و كل هذه الأزمات تخلق
فرصا لدول جديدة.
لوكسمبورغ كمركز مالي و مصرفي مهم في أوروبا يعد جنة من
الجنات الضريبية و يخضع للسرية المصرفية. ألم يكن هذا العامل هو أساس هذا
الاستثمار ؟
لا تزال لوكسمبورغ جنّة ضريبية. قبل 2009 كنا نتحدث عن
الجنات الضريبية في العالم و لوكسمبورغ كانت مصنفة في هذه الجنات. الدخل
الفردي في لوكسمبورغ شبيه بقطر وهو دخل مرتفع جدا. لدى قطر جهاز استثماري
يتمثل في فرع للاستثمارات مهمته البحث عن فرص استثمارية في أوروبا، لذلك
كانت قريبة جدا من هذه العملية. وزيادة عن أهمية السرية المصرفية في
لوكسمبورغ فهي في نفس الوقت فرصة استثمارية مواتية لقطر في القطاع المصرفي.
كانت الاستثمارات القطرية موجهة هذه السنة نحو الاستثمار في القطاع
الرياضي والعقاري. القطاع المصرفي و نظرا لتراجع الأسهم جراء اضطرابات
الأسواق المالية العالمية، كان هناك تخوف نوعا ما بالذهاب نحو هذا السياق.
لكن عندما أتت الفرصة، و لدى قطر مكتب استشاري ضخم ربما يعرف أن لهذا البنك
فوائد و عوائد، قامت بضخ دماء جديدة عن طريق سيولة جديدة وربما هذا سيعود
بالنفع على دولة قطر.
هل الحل لدى قطر في هذا الوقت يمكن من شراء المصارف التي
تمر بأزمات رغم التخوف في إفلاسها و التي تحدثنا عنها أو في السياسة
المصرفية التي سيتم إتباعها لإخراج هذه المصارف من عنق الزجاجة ؟
الحل لا يكمن في شراء المصارف بحد ذاتها و إنما البحث عن
فرصة استثمارية ملائمة. وكما ذكرت سابقا، فإن دولة قطر ذهبت في الفترة
الأخيرة نحو القطاع الرياضي و هي حاليا في أكثر من ناد رياضي مثل "باريس
سان جرمان" الفرنسي و "ملاغا" الاسباني و من الممكن أيضا أن تحاول شراء
"مانشستر يونايتد" الانكليزي باعتبار أنها فازت بتنظيم كأس العالم عام 2022
و لا بد أن تكون متواجدة في القطاع الرياضي. أما بالنسبة للمصارف فليس
هناك من سياسة مصرفية معينة بل هناك فرص استثمارية يجب الاستحواذ عليها و
هذه الفرصة أتيحت أمام قطر في الفترة الأخيرة. هناك استثمارات في القطاع
العقاري أيضا. هناك تنويع في الاستثمارات. جاءت هذه المرة عن طريق البنوك
في فترة متتالية سواء عن طريق " قطر القابضة" أو عن طريق "ديكسيا" حاليا في
لوكسمبورغ و قبلها في اليونان.
قطر التي تعتمد على ثروتها النفطية والغازية، هي دولة لا
تتجاوز 11 ألف كيلومتر مربع و سكانها يقتربون من المليوني نسمة غالبيتهم
من الأجانب، ومع ذلك تريد انتزاع دور إقليمي و عالمي من خلال الوساطات و
الاستثمارات. ما الذي يجعل قطر قاطرة دول الخليج في هذا الوقت و دول الخليج
و أن تلعب هذا الدور الريادي ؟
خلال العشر سنوات الأخيرة كان هناك نهج واضح متبع. حاليا
تعيش الساحة العربية فراغا سياسيا كبيرا. هناك أزمات متعددة وثورات في
بلدان عربية و حتى قبل ذلك لاحظنا أن قوتين في منطقة الشرق الأوسط تسعيان
لصدارة المنطقة و هي تركيا و إيران. في الفترة الأخيرة كانت هناك ضغوطات
مسلطة على تركيا ومن هنا حاولت دولة قطر أخذ دور إقليمي و نجحت إلى حد
كبير، لا نقول مائة بالمائة، على المستوى السياسي سواء كان التدخل في الشأن
اللبناني أو في الشأن السوداني أو الفلسطيني أو الليبي. المبادرة الأخيرة
لدولة قطر هي ذهاب سمو أمير دولة قطر إلى الأمم المتحدة حيث ألقى كلمة
لصالح الشعب الفلسطيني علما بأن قطر تترأس حاليا الجمعية العامة للأمم
المتحدة، وكما ذكرت فإن هذا التوجه هو توجه سياسي واقتصادي و كما يقال فإن
الاقتصاد هو الذي يقود السياسة.